كان الطلاق في الجاهلية - وفي مستهل الإسلام - غير مقيد بعدد محدود، وكانت العِدةُ عندهم معروفة مقدرة. فكان الرجل - في أول الإسلام - إذا غاضب زوجته طلقها، ثم راجعها قبل انقضاء عدتها: يكرر ذلك كما يشاءُ، فلا هو يحسن عِشْرتها، ولا هو يخلي سبيلها، لتأخذ لنفسها وجهة أُخرى مع زوج جديد، وليغني الله كُلًّا من سعته.
قال القرطبي: قال رجل لامرأته على عهد النبي ﷺ: لا آويك ولا أدعك تخلين. قالت: وكيف؟ قال أُطلقك، فإذا دنا مَضيّ عدتك راجعتك، فشكت المرأة ذلك إلى عائشة، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية، بيانًا لعدد الطلاق الذي يحل للمرءِ أن يراجع فيه مطلقته، دون مهر أو عقد، حتى لا يتجاوزه: مضارة للزوجة.
وقد بينت الآية: أن الطلاق المشروع، مرتان، أي مرة ثم مرة.
فللرجل أن يطلق زوجته، ثم يراجعها أثناء العدة - إذا شاءَ دون توقف على رضاها، ثم له أن يطلقها مرة ثانية، ثم يراجعها أثناء العدة - إذا شاء - دون توقف على رضاها كذلك. وكل طلقة من هاتين الطلقتين تسمى طلقة رجعية.
أما إذا أمضت العدة بعد الطلقة الأولى. أو الثانية - دون مراجعة لها - فإن الطلاق يصبح بائنًا، فلا تعود إليه، إلا بعقد ومهر جديدين، وبرضا الزوجة أو وليها، فإذا طلقها الثالثة بعد أن راجعها مرتين، فإنها تصبح حرامًا عليه: لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، كما تشير الآية التالية.
ومعنى إمساكها بالمعروف - بعد الطلقة الثانية - أن يراجعها مع حسن العشرة والمود والرحمة. فذلك هو المعروف عند أرباب المروآت، وفي لسان الشرع، ونظر العقل.
ومعنى تسريحها بإحسان - بعد الطلقة الثانية - أن يتركها دون مراجعة أو أن يطلقها الثالثة، وأن يؤدي لها حقوقها من: نفقة العِدة، وأُجرة الرضاع، والحضانة لولده، وجبر الخاطر، وحسن القالة.