والآية الكريمة بهذا، أعطت الزوجين فترات كافية: يتروَّى فيها كل منهما، ويُراجع نفسه، لعله يفِيءُ إلى المودِة والصفاء. فأَبغض الحلال عند الله الطلاق.
وقد اختلف الأَئِمة فيمن يوقع الطلاق ثلاثًا مرة واحدة:
فذهب بعضهم، إلى أنه يقع طلقة واحدة.
ومذهب الأئمة الأربعة: أنه يقع ثلاث طلقات.
وقد أخذت المحاكم الشرعية في مصر الآن، بالرأي الأول في لائحتها، اتباعًا لرأي بعض الصحابة وكبار التابعين، ولأن منطوق الآية يؤَيده.
والخلاف بين الفقهاء - في هذا الموضوع - مبسوط في الكتب المطولة، أمثال: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وأحكام القرآن للجصاص، وأعلام الموقعين لابن قيم الجوزية، ونيل الأوطار للشوكاني، وأحكام القرآن لابن العَرَبي، وغيرها.
لما ذكر الله في الآية السابقة: أن الطلاق مرتان، وأن للزوج بعدهما أن يمسك زوجته، ويستبقيها بمعروف، أو يسرحها ويتركها بإحسان - على نحو ما أوضحناه سابقًا - أتبع ذلك بيان نوع من أنواع الإمساك بغير معروف، والتسريح بغير إحسان، وهو أن يمسكها ويراجعها، أو يطلقها في مقابل أن يأخذ بعض مالها، فإن ذلك ليس معروفًا ولا إحسانًا.
قد أفادت الآية: أنه لا يحل للزوج أن يأخذ شيئًا من صداق الزوجة، الذي أوجبه الله، لكي يبقيها في عصمته، أو لكي يطلقها. لأن ذلك مناف للمعروف والإحسان الذي أمره الله به، والذي هو لائق بصلات المؤمنين بعضهم مع بعض، فضلًا عن الزوجين.
ومثل الصداق في الحكم، سائر أموالهن. وتخصيص الصداق بالذكر، لرعاية العادة، أو للتنبيه على أن تحريم الأخذ من غيره أولى.