وقد أباح الله للزوج أن يأخذ منها بعض مالها في مقابل طلاقها، إذا خافا - كلاهما - أن لا يقيما حدود الله، بعدم القيام بواجبات الزوجية، كاستخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه، وكعدم إنفاق الزوج عليها وسوء عشرته لها.
فإن كان الخوف من عدم القيام بحقوق الله من جانب الزوج وحده - مع حسن عشرة المرأة - فلا يحق له أن يأخذ منها - في مقابل طلاقها - شيئًا من المال. فإن أخذه، وجب عليه رده.
وإن كان الخوف من جانب الزوجة وحدها، والنشوز من جانبها - فله الحقُّ في أخذه. قال الإمام مالك: لم أزل أسمع ذلك من أهل العلم - وهو الأمر المجتمع عليه عندنا - وهو أن الرجل: إذا لم يضر بالمرأة ولم يسيء إليها، ولم تؤت من قبله، وأحبت فراقه - فإنه يحل له أن يأخذ كل ما افتدت به، كما فعل النبي ﷺ في امرأة ثابت. وإن كان النشوز من قبله، بأن يضيق عليها ويضرها - رد عليها ما أخذ منها.
ويدل لجواز أخذه المال منها - إذا كان الشقاق من جانبها فحسب - ما رواه البخاري عن ابن عباس: أن امرأة ثابت، أتت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس: ما أَعْتُبُ عليه في خلق ولا دين، ولكن لا أطيقه، فقال رسول الله ﷺ:"أَتَرُدِّ عليه حَدِيقَتَهُ"؟ قالت: نعم. زاد ابن ماجه (فأمره رسو الله ﷺ أن يأخذ منها حديقته، ولا يزداد).
والفراق - في مقابل المال - يُسمى: خُلْعًا. ويعتبر خلق ثابت بن قيس لزوجته، أول خُلْع في الإسلام.
واستدلت طائفة من الفقهاء بحديث امرأة ثابت المذكور، على أنه يجوز الخلع من غير اشتكاءٍ ضرر، فإنها تقول: إنها لا تعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنها لا تطيقه. وقالوا: إن الآية لم تذكر الخوف من عدم إقامة حدود الله على جهة الشرط، بل لأنه الغالب.
وقالوا: إن الذي يدل على ذلك - صراحة - قوله: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾ (١).