روى البخارى عن أُم المؤمنين عائشة ﵂ قالت: "كانت قريش ومن دان دينها، يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الْحُمْس. وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاءَ الإسلام، أمر الله نبيه ﷺ أن يأْتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها. فذلك قوله: ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾.
وكانت قريش تفعل هذا ترفعًا منهم عن بقية الناس، فأَنزل فيهم هذه الآية، فوقفوا بعرفات مع الحجاج، ثم أَفاضوا منها معهم، ثم إلى المزدلفة، ثم منى.
وحرف العطف:(ثُمَّ) للترتيب مع التراخي في الزمن. وهي هنا للإيذان بتفاوت ما بين الإفاضتين، كما في قولك: أحسن إلى الناس، ثم لا تحسن إلا إلى مستحق.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فكيف موقع ثم؟ قلت: نحو موقعها في قولك: أحسن إلى الناس، ثم لا تحسن إلى غير كريم: لتوضيح التفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم، والإحسان إلى غيره، وَبُعْدِ ما بينهما، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات، قال: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأَن إحداهما صواب والثانية خطأٌ.
﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: الخطاب عام للحجاج، ليفزعوا إلى الله مستغفرين، فيشملهم برحمته ومغفرته، بعد أن أدوا مناسكهم.
وقد يكون الخطاب لقريش، ليكَفِّرُوا بالاستغفار ما كان منهم من الاستعلاء، وكلاهما صالح. فالكل محتاج إلى مغفرة الله ورحمته.