للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فالسعي في سبيل الرزق عبادة، على ألا يشغل الحاج عن أداءِ المناسك على وجهها، لأَن أَداءَها هو الهدف الأَول والغاية العظمى. والمعنى: لا إثم عليكم في طلب الرزق أَثناءَ الحج.

﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾.

الإفاضة من عرفات: هي الخروج منها بكثرة. ومعنى العبارة: فإذا اندفعتم من عرفات جموعًا عديدة فاذكروا الله. مأخوذ من أَفضتَ الماءَ: إذا صَبَبْتهُ بكثرة.

وعرفات: جبل قرب مكة يقف عليه الحجاج، معظمين ربهم وملبين، والوقوف به أهم أركان الحج، لأن الناس يذكرون فيه الحشر يوم القيامة حيث يكون الناس يومئذ عراة كما خلقهم الله، متساويين لا يعلو بعضهم على بعض بجاه أَو سلطان. وهو موطن التعارف بين المسلمين، من مشارق الأرض ومغاربها. ومكان التفاوض فيما فيه مصلحتهم.

والمقصود من الآية: أن الحجاج إذا خرجوا من عرفات - بعد الوقوف بها - متجهين إلى المزدلفة، فعليهم أن يذكروا الله عند المشعر الحرام، بالتلبية والتهليل والدعاء، وذلك في صبيحة مبيتهم بالمزدلفة.

فقد جاء في حديث مسلم عند جابر، قال: "فلم يزل واقفًا - يعني الرسول - بعرفة حتى إذا غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلًا، حتى غاب القرص - أَردف أُسامة خلفه، ودفع رسول الله وقد شَنَقَ - أي ضم وضيَّق - للقصواء الزمام".

إلى أن قال: "حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاءَ، بأَذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القصواءَ، حتى أَتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا، حتى أَسفر جدًّا، فدفع قبل أَن تطلع الشمس".

﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّاِلِّينَ﴾:

أي اذكروه ذكرًا حسنًا كما هداكم هداية حسنة فقد أخرجكم من الظلمات إلى النور وكنتم قبله في غمار الضلال. أو اذكروه كما علمكم كيف تذكرونه ولا تعدلوا عنه.