بين الله تعالى في الآية السابقة: أن على من تداينوا أن يكتبوا الدَّيْنَ، وأن يقوم بكتابته بينهم كاتب بالعدل، لتكون الوثيقة حرزًا من النسيان أو الإنكار. وذكر من أحكام ذلك ما شرحناه.
وفي هذه الآية، يبين لنا ما ينبغي عمله عند فقد الكاتب في حالة السفر لأجل الاستيثاق من الدين، فيقول ما معناه:
وإن كنتم - أيها المتداينون - مسافرين، ولم تجدوا كاتبًا يكتب بينكم الدين، فالذي يستوثق به حينئذ، رهان يقبضها الدائنون، وتبقى عندهم حتى أداء الدين، فترد إلى المدينين.
وأخذ مجاهد بظاهر الآية، فلم يجز الرهن إلا في السفر. وقيده الضحاك في السفر بفقدان الكاتب. ولكن الراجح: جواز الرهن سفرًا وحاضرًا.
فقد روى البخاري أن النبي ﷺ"رهن درعه في المدينة عند يهودي على ثلاثين صاعًا من شعير"(١) ولم تتعرض الآية للشاهد، لأن حكم الكاتب يسري عليه وجودًا وفقدانًا.
وفي التعبير بقوله:(مَقْبُوضَةٌ) دون تقبضونها، إشارة إلى الاكتفاء بقبض الوكيل.
بعد أن بين الله - فيما مضى - طريقي الاستيثاق من الدَّيْنِ - وهما الكتابة والإشهاد أو الرهن - ذكر أُسلوبًا آخر في التعامل، هو أسلوب الاستئمان والثقة، فقال ما معناه:
فإن أمن بعض الدائنين بعض المدينين - في حضر أو سفر بسبب حسن الظن والثقة، فلم يتوثق بالكتابة والشهود والرهن - فليؤَد المدين الذي ائتمنه الدائن أمانة صاحب الدين، أي دينه الذي له عليه.
(١) هكذا يتعامل اليهود دائمًا. فلا يقبلون أن يكون لهم دين على أحد إلا برهن، ولو كان أشرف الشرفاء. فالمال معبودهم الأول. وإنزال الناس منازلهم، ليس من القيم المعتبرة عندهم.