للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ﴾: (١) لن نفضلك. ﴿لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾: مفرد خطايا: خطيئة وهى الذنب المتعمد كالْخِطءِ بكسر الخاء، أَما الخَطأُ بفتح الخاءِ فهو ما لم يُتعمد، ويريدون بخطاياهم، الكفر والمعاصي. ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾: أَي جنات إِقامة يقال: عدن بالمكان عدْنًا وعُدُونًا من بابيْ ضرب وقعد: أي أَقام. ﴿مَنْ تَزَكَّى﴾: صلح واهتدى.

[التفسير]

٧١ - ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ .... ﴾ الآية.

يخبر الله سبحانه عن فرعون أَنه تمادى في عناده ومكابرته حين رأَى ما أَذهله من المعجزة الباهرة والآية العظيمة، ومن إيمان من استنصر بهم من السحرة أَمام جموع الناس وحشودهم، حين رأَى ذلك توعد كل من آمن بأَقسى وسائل التنكيل والتعذيب، بسبب إِيمانهم الذي أَنكره عليهم أَشد الأَنكار، وعدَّه جريرة تستوجب كل ما ينزل بهم من عقاب وعلى أَي وجه كان، وقد بيَّن جرمهم وفق فهمه السقيم بقوله: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾: أَي أَن إِيمانكم بموسى وقع افتياتا منكم على سلطانى، لأَنه من غير أن آذن لكم به، قال ذلك ليُرِى قومه أن إِيمانهم غير معتد به حيث كان من غير إِذنه، ثم قال قولًا يعلم هو والسحرة والناس كلهم أنه افتراءٌ وبهتان، وهو نسبته إِيمانهم بموسى بعد أَن غلبهم إِلى أَنهم تعلموا السحر من موسى، فهو كبيرهم ومعلمهم، فلهذا تواطئوا معه على كل ما حدث، وقد حكى الله ذلك بقوله: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾: أَي إنه رئيسكم ومعلمكم السحر. فتواطأْتم على ما فعلتم، واتفقتم عليَّ وعلى رعيَّتى لتظهروه، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا﴾ (٢). وقد أَراد فرعون بقوله هذا أَن يشيع بين قومه الشك والريبة، توجيهًا لهم إلى عدم الاكتراث بما أَظهره موسى من المعجزة الباهرة، وبما أَعلنه السحرة من الإيمان، حتى لا يتبعوهم، فيؤمنوا كإِيمانهم، وإِلَّا فقد علم فرعون أَن موسى لم يعلمهم السحر، فقد عَلِمُوه قبل قدومه عليهم بل قبل ولادته، ثم توعد الذين آمنوا وعيدًا قاسيًا بقوله: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾: أَي فأقسم: لأُقطعن أَيديكم وأَرجلكم مختلفات،


(١) مضارع آثره: أي فضله.
(٢) سورة الأعراف، من الآية: ١٢٣