اليد اليمنى والرجل اليسرى، واختار التقطيع على هذه الكيفية دون التقطيع من وفاق تنكيلًا كما أقسم: لأُصلبنكم أَيضًا في جذوع النخل، وقد نفذ وعيده فقطع وصلب حتى ماتوا ﵏ قال ابن عباس:(فكان أول من فعل ذلك) رواه ابن أَبي حاتم. وإيثار كلمة (فِي) في قوله: ﴿فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ للدلالة على بقائهم على الجذوع زمنًا طويلًا كأنها محبس لهم، وظرف احتواهم.
﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾: أَي وأُقسم إِنكم لتعلمن علمًا لا شك فيه مَنْ منا أَشد عذابًا للناس وأدوم، أَهو موسى، أم أَنا الذي خذلتمونى بتواطئكم معه؟ وقصده من وعيده هذا إظهار صلفه وكبريائه، واقتداره على التعذيب الشديد، واستضعاف موسى والهزءُ به، لأَن موسى ﵇ لم ينل أحدا بشيءٍ من التعذيب. وقيل: معناه أي الإِلهين أشد عذابًا وأَدوم، أنا أَم إِله موسى.
المعنى: أنهم أَجابوه على وعيده وتهديده قائلين له في غير اكتراث به وبصنيعه لن نفضلك على ما جاءَنا من الله ﷾ من المعجزات الظاهرة على يد موسى ﵇، وقيل: لن نفضلك على ما عَلِمْنَاه من الحق واليقين، ولن نركن إليك بتفضيلك على الله الذي خلقنا وسائر الناس، ولم نكن شيئًا مذكورًا، وقيل: إِن لفظ ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ قسم جوابه محذوف دل عليه ما قبله، وهو قوله: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾: أَي وحق الذي خلقنا لن نؤثرك على الذي جاءَنا من الله على يد موسى ﵇ من الآيات الباهرة.
﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾: أَي فافعل ما شئت واحكم بما أَنت حاكم به، لأَنك ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾: يعنون أَنه إِنما ينفذ أَمره وقت هذه الحياة. ولا يقضى فيها إلَّا بمتاع أو عقاب، وما لهم من رغبة في خيرها وزينتها، ولا رهبة من عسرها وعقابها، وهذه الجملة التي ختمت بها الآية وما بعدها تعليل لعدم المبالاة المستفاد من قوله: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾.
أَي صدقنا بالله وحده لاشريك له، رجاءَ أن يغفر لنا ربنا ما اقترفناه من الكفر والمعاصي ولا يؤاخذنا بها في الدار الأُخرى، أما الدار الفانية فليس لنا مآرب فيها حتى نتأَثر بما ينزل بنا من نكال، كما نضرع إليه أَن يغفر لنا السحر الذي أَكرهتنا على المعارضة به،