قال أبو عبيد: إِذا أَمر السطان أَحدًا بفعل شيءٍ فقد أكرهه على فعله، وإن لم يتوعده، لما في مخالفة أَمره من توقع العقوبة، ولا سيما إِذا كان السلطان طاغية جبارًا، وإِلى هذا الرأْى ذهب الحنفية في أَحكمامهم الفقهية. انتهى ملخصًا، ولا ينافى هذا قولهم في آية أُخرى: ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ فإِنهم قالوه مرضاة لفرعون الذي أَجبرهم، وقد أَفردوا الإِكراه على السحر بطلب المغفرة إِظهارًا لشدة نفرتهم منه وقوة رغبتهم في مغفرة الله ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾: أي والله خير لنا إن أَطعناه، وأَبقى عذابًا منك إِن عصيناه، أَو والله خير في ذاته وصفاته، لأنه الخالق الرازق وله الأَمر كله، وأَبْقى جزاءً، ثوابًا كان أَو عذابا.
قيل: هذه الآية والآيتان بعدها من قول السحرة لما آمنوا، وقيل: بل هي من كلام الله لبيان قاعدتين عامتين في الإِسلام: وهما عقاب المجرمين، وثواب الصالحين.
والمعنى أَن من يلقى الله يوم القيامة على الكفر والمعاصي، فهو مستحق لأَن يكون له جهنم دار إقامة دائمة لا يموت فيها لينهى عذابه، ولا يحيى حياة ناعمة وذلك كقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ (١).
أَي ومن يوافه مؤمنًا به تعالى، وبما أيد به رسله من المعجزات العظيمة التي من جملتها ما شاهدناه، وقد عمل الطاعات اتباعًا لما أَمر به سبحانه ونهى عنه، فأُولئك ينزلهم ربهم أَعلى الدرجات وأَعظمها التي تقصر دونها الصفات.
الآية بيان للدرجات التي استحقها أولئك المؤْمنون، أَي أَن لهم الجنات دار إقامة وهى على أكمل صورة وأَجمل إِعداد، حيث تجرى من تحت غرفها وأَشجارها الأَنهار التي تملأ النفوس متعة وبهجة، ماكثين فيها أبد الآبدين وذلك جزاءُ من تطهر من الكفر والمعاصي وعبد الله وحده، لا شريك له.