هذه الآية الكريمة هي بداية الحديث عن غزوة بدر، وقد تقدمها بيان حكم الأَنفال، أَي الغنائم، لأَن السورة نزلت بعد اختلاف المسلمين على قسمة أَنفالها - كما تقدم بيانه - فكانَ بيان حكمها أَهم ليحسم الخلاف بين المسلمين.
قال المبرد في معنى الآية ما يلى:
الأَنفال ثابتة لله والرسول وإِن كرهوا، كما أَخرجك ربك من بيتك بالحق وإِن كرهوا، وقال غيره: امض لحكم ربك في الغنائم وإِن كرهوا، كما مضيت لأَمر ربك في الخروج من البيت لطلب العير وإِن كرهوا.
وأَقرب المعانى في وصل هذه الآية بما قبلها أَن يقال: حال المؤْمنين في كراهتهم قسمة الغنائم بحكم الله بعد اختلافهم عليها كحالهم في كراهتهم القتال حينما أَخرجك ربك من بيتك بالحق - وهو الظفر بإِحدى الطائفتين العير أَو النفير - وهم لقتال النفير كارهون - وسبب كراهتهم لقتال الكفار في غزوة بدر، أَنهم خرجوا وهم غير مستعدين استعدادا كاملا للقتال، فإِنهم خرجوا للقاءِ أَبي سفيان ومن معه للاستيلاء على القافلة التي قدموا بها من الشام بتجارتهم، ولم يكن فيها سوى قلة من الرجال وكان الاستيلاء عليها أَمرا يهم المسلمين، لأَن ذلك يقصم ظهور المشركين الذين أَخرجوهم من ديارهم وأَموالهم واستولوا عليها، وتفصيل ذلك أَن عير قريش لما أَقبلت أَخبر جبريل رسول الله ﷺ بمقدمها، فعرض النبي ﷺ على المسلمين أَن يخرجوا للاستيلاءِ عليها، فأَعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم، فلما خرجوا بلغ أَهل مكة خبر خروجهم فنادى أَبو جهل فوق الكعبة: يا أَهل مكة. النجاء النجاء على كل صعب وذلول، عيركم أَموالكم إِن أَصابها محمَّد لم تفلحوا بعدها أَبدا، فخرج أَبو جهل بجميع أَهل مكة، فقيل له: إِن العير أَخذت طريق الساحل ونجت فأرجع بالناس إِلى مكة فقال: واللات والعزى لا يكون ذلك أَبدا حتى ننحر الجزر ونشرب الخمور، ونقيم القينات والمعازف بِبَدْرٍ، فيتسامع جميع العرب بخروجنا وأَنَّ محمدا لم يصب العير، وأَنَّا قد أَخفناه، فمضى بهم إِلى "بدر"(١)، فنزل
(١) بدر: اسم بئر حفرها بدر بن قريش بين مكة والمدينة، كان العرب مجتمعون حولها في سوق سنوية لهم.