للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جبريل ، وقَال يا مُحَمِدُ إِنَّ اللهَ وعَدكم إِحدى الطائفتينِ، إِمّا العيرُ، وإِمّا النفير - أَي مشركى مكة - فاستشار النبىُّ أَصحابه فقال ما تقولون؟ إِن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أَحب إِليكم أَم النفير .. ؟ فقالوا: بل العير أَحب إِلينا من لقاءِ العدو، فتغير وجه رسول الله ثم رد عليهم فقال: "إِنَّ العيرَ قد مضَت على سَاحِل البحر، وَهَذا نَفِيرُ قريشٍ قَد أَقبَلَ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ عَليَك بالعيرِ ودعِ العدو … فقام أَبو بكر وعمر فتحدثا فأَحسنا، ثم قال المقداد بن عمرو : يا رسول الله، امض لما أَمرك الله فإِنا معك حيثما أَحببت، لا نقول لك كما قال بنو إِسرائيل لموسىِ : "اذْهَب أَنتَ وربُّك فقاتِلا إِنَّا هَاهنَا قَاعِدونَ؛ وَلَكنِ اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا مَعَكُما مُقاتِلُونَ .... ، فوالَّذِى بعثَك بالحقِّ لو سِرتَ بنَا إِلى بَرْك الغِماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له خيرا ودعا له ثم قال: أَشِيرُوا عَلىَّ أَيُّها الناسُ - وهو يريد الأَنصار - لأَنهم قالوا له حين بايعوه عند العقبة، إِنَّا برآء من ذمتك (١) حتى تصل إِلى ديارنا، فإِذا وصلت إِلينا فأَنت في ذِمَّتِنا، نمنعك مما نمنع منه أَبناءَنا ونساءَنا، فكان يتخوف أن تكون الأَنصار لا ترى عليهم نصرته، إلا على عدو دهمه بالمدينة، فقام سعد بن معاذ فقال: لكأَنك تريدنا يا رسول الله: قال: أَجل، قال: آمنَّا بِك، وصدَّقناك وشهدنا أَنَّ ما جئتَ به هو الحقُّ وأَعطيناك على ذلك عهودَنا ومواثيقَنا على السمعِ والطاعةِ، فامضِ يا رسولَ اللهِ لما أَردتَ فنحنُ معك، فوالَّذى بعَثك بالحقَّ لَوْ استعرضتَ بِنَا هذا البحرَ فخضتَه لخضنَاه معك ما تخلف منَّا رجل واحد، وما نكره أَن تَلقى بِنَا عدونا، وإِنَّا لصُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاءِ، ولعلَ الله يُريك منَّا مَا تقرّ به عينُك، فَسِر بِنَا على بركة الله … ففرح رسول الله ، وسرّه قول سعد بن معاذ ثم قال: سيروا على بركة الله، وأَبشروا فإِن الله قد وعدنى إِحدى الطائفتين والله لكأَنى الآن أَنظر إِلى مصارع القوم.

٦ - ﴿يُجَادِلُونَكَ في الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾:

المعنى: يراجعونك في الحق - وهو لقاءِ النفير - أَي جيش العدو - ويؤثرون عليه لقاءَ العير للاستيلاءِ على تجارتهم، مع أن في لقاءِ النفير عز المسلمين وإِلقاء الرعب في قلوب أَعدائهم، فلقد قال بعضهم: إِنما خرجنا للقاءِ العير، ولم نستعد للقاءِ العدو.


(١) الذمة: العهد.