وقد وعدهم الله تعالى إِحدى الطائفتين من غير تعيين، فتعلقت آمالهم بطائفة العير القادمة من الشام لأَنها كسب عظيم لهم لا يحتاج إلى مشقة كبيرة، في إحرازه والحصول عليه لضعف حاميته، ولذلك لم يستعدوا للقاءِ العدو، وتخلف كثير من الصحابة بالمدينة.
ثم ظهر لهمَ أنَّها فاتتهم وقد بنت، وأَن طائفة النفير قد خرجت من مكة بكل ما عند قريش من قوة، وقد قربتَ منهم، وأَنه تعيّن عليهم قتالها، وأَنها هي الطائفة التي وعدهم الله - تعالى - لأَنه لم يبق غيرها، فصعب على بعضهم لقاؤها لقلة عددهم وعُدَدِهم، ولعدم استعدادهم، فطفقوا يعتذرون للنبي ﷺ، ثم تبين لهم الحق، فقالوا ما قالوه من عبارات الإِقدام على لقاءِ العدو كما مرّ بيانه.
أَي كأنهم لفرط جزعهم ورعبهم يساقون إِلى الموت سوقا لا مهرب منه، وهم ينظرون إِليه بأَعينهم، ولم يدر بخلدَهم أَن الله تعالى وعد رسوله والمؤمنين الظفر بالمشركين وذلك ما حكاه الله بقوله:
هذا كلام مستأْنف مسوق لبيان جميل صنع الله بالمؤمنين مع ما هم فيه من الجزع وقلة الحزم، لعدم استعدادهم الحربى لقتال جيش فاجأَهم، ولم يكونوا يدرون أَنه ملاقيهم، فقد خرجوا للقاءِ - العير كما تقدم -.
والمعنى: واذكروا وقت أَن وعدكم الله إِحدى الطائفتين - العير أَو النفير - أَنها لكم تتسلطون عليها، وتتصرفون فيها كيف شئتم: طائفة أَبي سفيان مع التجارة، أَو طائفة أَبي جهل مع الرجال الذين خرجوا من مكة لحربكم.