هذه الآية - والتي بعدها - فيهما امتداد للحديث عن العدل، الذي سبق طرف منه في الآيات السابقة. وبين الإِيمان والعدل رباط وثيق؛ لأن الإِيمان الصحيح، يقتضي إقامة العدل والقسط بين الناس.
والمعنى: يأَيها الذين آمنوا، كونوا مواظبين على العدل في جميع الأمور، مجتهدين في إِقامته كل الاجتهاد، لا يصرفكم عنه صارف. وكونوا شهداء لله ولو على أَنفسكم أَو الوالدين والأَقربين. وذلك بأَن تقيموا شهاداتكم بالحق خالصة لوجه الله، لا لغرضٍ من الأَغراض الدنيوية، مهما يكن أَجره، ولو عادت الشهادة بالضرر عليكم، أَو على الوالدين والأَقربين. فإِن الحق أحق أَن يتبع، وأَولى بالمراعاة من كل عاطفة وغرض.
أي: أن يكن المشهود عليه غنيا يُرْجَى نفعُه. أَو فقيرا يثير فقرُه الرحمة، فلا تتأَثروا بذلك كله في شهاداتكم. فالله أَولى بالأَغنياءِ والفقراءِ، وأَحق منكم برعاية ما يناسب كلا منهما. ولولا أَن أَداءَ الشهادة على وجهها فيه مصلحة لهما، لما شرعه الله. فراعوا أَمره - تعالى - فإِنه أَعلم بمصالح العباد منكم.
﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾:
أي: فلا تتبعوا في شهاداتكم - على هذا أَو ذاك - هواكم: كارهين إقامة العدل في شهاداتكم من أَجل الرغبة في مصلحتهما؛ لأن اتباع الهوى والميل، ضلال لا يليق بالمؤمنين.
وإقامة العدل حق وهدى: يجب على المؤمنين - وجوبا مؤكَّدًا - أَن يتصفوا به.