أي: وإِن تميلوا ألسنتكم عن الشهادة - بالإتيان بها على غير وجهها الذي تستحقه، أو تعرضوا عنها، وتتركوا إقامتها وتهربوا من أدائها - فإن الله كان بما تعملون من معاداتكم للحق بأي وجه مما سبق - عليما فيجازيكم على ما اقترفتم.
هذا، وكما تحرم الشهادة: للغني أَو الفقير على غير وجهها، تحرم أيضا الشهادة إِذا كانت لغرض آخر كرعاية الجار، أو الطمع في جاهٍ أَو منصبٍ عند حاكم، أو انتصار لطائفة أو مذهب أو نحو ذلك. وما جاءَ في الآية، إنما هو من باب ضرب المثل.
وقد التزم المسلمون الأولون، مراعاة العدل التام، فلم يفرقوا بين من كان على دينهم ومن خالفهم - اتباعًا لأهوائهم.
ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي ﷺ يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم. فقال: والله، لقد جئتكم من عند أَحب الخلق إليّ. والإِثمُ أبغضُ إلي من اعدادكم من القردة والخنازير. وما يحملني حبي إِياه ولا بغضي لكم، على أَلّا أعدلَ فيكم. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.
المعنى: الخطاب للمؤمنين كافة. والمراد من قوله:(آمِنُوا): استمروا، أَو اثبتوا على إيمانكم باللهِ ورسوله، والكتاب الذي نزل الله على رسوله وهو القرآن، والكتب السماوية التي أنزلها الله من قبل، على من سبق من الأنبياء والمرسلين. وهي التوراة والإنجيل والزبور. والإِيمان بها - بطريق الإِجمال - واجب شرعا.
أَما ما يتداول بين أهل الكتاب المعاصرين، من أسفار عنها، اسمها "العهد القديم""والعهد الجديد"، فقد دخلها - من التغيير والتبديل، والإِضافة والحذف - ما أخرجها عن نسبتها إلى الله تعالى وعن تسميتها توراة وإنجيلا. فلا تدخل فيما أمرنا بالايمان به، وإنما نؤمن بأصولها الأولى الصحيحة، التي أَنزلها الله. وكما نؤمن بتلك الأصول نؤمن بأَنها نسخت بالقرآن الكريم.