ضرب الله جل ثناؤه بهذه الآية الكريمة مثلا للحق في عموم فائدته وعظيم بركته، بالماءِ الصافى الذي أَنزله الله من السماءِ فسالت به أَودية بين الجبال والآكام بالقدر الذي عينه الله تعالى واقتضته حكمته لنَفْع الناس؛ يسيل مندفعًا في مجاريه حتى يصل إلى غايته، وجعل الباطل في اضمحلاله وزواله كالزبد وهو الرغوة التي تعلو سطح الماءِ ثم تكون نهايته أَنْ يضمحل ويذهب، ويشير جل شأْنه إِلى مثل ثان للحق والباطل بقوله:
(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ): ففي هذا المثل جعل الله الحق كالمعادن التي يوقد عليها في النَّار لصهرها وإِذابتها لتصفيتها وتَنْقِيتها من كل الشرائب، تيسيرًا للانتفاع بها في اتخاذ الحلى من الذهب والفضة ونحوهما، وفي أَثناءِ صهر هذه المعادن يعلو فوقها زبد كزبد الماءِ في كونه رابيا فوقه ولا ينتفع به، وقد جعله الله مثلا للباطل في الفلزات المذابة، كما جعله مثلا له في الماءِ، فالزبد في كليهما يشير إِلى الباطل.
(كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحقَّ والْبَاطِلَ): أَي مثل ذلك يضرب الله للناس مثل الحق ومثل الباطل، ثم بَيّن الله ذهاب الباطل وثبات الحق فقال: