الإشارة في قوله: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ﴾ إلى ما تقدم في السورة من العقائد والأحكام، ومنها الأكل من الطيبات وعمل الصالحات، والأمة بمعنى المِلَّة، أَي: وإن هذه العقائد وأصول الأحكام ملتكم أَيها الرسل ملة واحدة، لا تتغير ولا تتبدل، بتبدل الأزمنة والأعصار، أما الفروع فإنها تختلف، لقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (١).
﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ﴾: بدون شريك لى في الربوبية. ﴿فَاتَّقُونِ﴾ أي: فخافوا عذاب على مخالفة أَمرى، وإخلالكم بواجب طاعتي، مع علمكم باختصاص الربوبية بي للرسل وللأمم جميعًا. والفاءُ في قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُونِ﴾ لترتيب وجوب تقوى الله على ما قبله من الاتحاد في الدين، واختصاص الربوبية به تعالى؛ فإن كِلَا الأمرين موجب لاتقائه حتمًا.
حكاية لما وقع من أمم الرسل، أَي: أنهم قطعوا أمر دينهم فجعلوه زُبُرًا، أي: قطعًا متعددة، وفرقوه فرقا مختلفة، كل جماعة تنتحل نحلة مخالفة للحق، بعد ما أُمروا بالاجتماع والاتحاد على ملة واحدة تجمع العقائد وأصول الأحكام.
وزُبُرًا - على هذا - جمع زُبْرة، وهي: القطعة، ويؤيد هذا قراءَة (زُبَرًا) بفتح الباء جمع زُبْرة، كغُرفة، وهي القطعة، فتلخص من هذا أَن زُبرَة تجمع على زبر بضم الباء وفتحها.
ويجوز أن يكون المعنى: أن أَتباع الأنبياء فرقوا دينهم بعد أنبيائهم، فآمنوا ببعض ما أُنزل عليهم، وكفروا بما سواه، اتباعا لأهوائهم، أَو أَنهم وضعوا كتبًا وألفوها ونسبوا تلك الضلالات إِلى الله - كما قاله ابن زيد - وعلى هذا يكون زُبُرًا جمع زبور بمعنى كتاب.