لما ذكر الله أَحوال الكافرين المعاندين الذين جحدوا نعمهُ، بالكفر بوحدانيته، والإِشراك في عبادته، وتكذيب رسوله، وأَتبع ذلك أَمر المؤمنين بطاعته البدنية والمالية، شكرا له على نعمه، لما ذكر ذلك -جاء بهذه الآية وما بعدها ليوجه عباده إِلى أَدلة القدرة الماثلة في الآفاق. ويذكرهم بالنعم العظيمة التي يتقلبون في أَعطافها حثًّا للمؤمنين على المزيذ من شكرها، وتقريعًا للكافرين الجاحدين لها، وقد بدئت هذه الآية بلفظ الجلالة وأَخبر عنه بالاسم الموصول بسبع جمل، تبرز أَدلة باهرة على قدرة الله تعالي ووحدانيته. فهو وحده الذي خلق السماوات، وأَبدع صنعها على غير مثال سبق، وأَوجد فيها الأَجرام العلوية من نجوم وكواكب، وخلق كذلك الأَرض وما فيها من أَنواع المخلوقات.
(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ): المراد من السماءِ هنا السحاب، أَي أَنزل من السحاب نوعا خاصا من الماءِ وهو المطر، فأَخرج به أَزواجا أَي أَنواعًا من نبات شتى، أَخرج به زروعًا وثمارًا مختلفة الأَلوان والأَحجام والطعوم والمنافع. وجعلها رزقًا لكم تعيشون به. مطعومًا كان أَو ملبوسا أَو غير ذلك.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَار): أَي ذلَّلَ لكم السفن لتجرى في البحر بمشيئته، وذلك بأَن أَقدركم على صنع السفن ويسر لكم استعمالها. فجرت على وجه الماءِ في البحر مذللة خاضعة لإِرادتكم بأَمره: أَي بمشيئته التي ارتبط بها كل شيءٍ في الوجود، فتسيير الآلات ليس بمعزل من توفيق الله ومدده.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ): أَي ذللها لكم حيث تشربون منها وتسقون زروعكم وجناتكم ودوابكم. وتشقون منها جداول تسيرونها وفق إِرادتكم.
٣٣ - (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ): أَي أَنه تعالى يذللهما ليلا ونهارًا لا يفتران عن حركتهما وإِصلاحهما لما ارتبط بهما صلاحه من الموجودات وفق تقدير الله. وهما لا يلتقيان إِلى قيام الساعة (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمر).