(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ): فهما يتتابعان فيكم ويتعاقبان، لتتخذوا من النهار معاشًا فتبتغوا فيه من فضله، ومن الليل سكَنًا تستعيدون به قوتكم ونشاطكم، وبهما يتم عقد ثماركم وإِنضاجها واختلاف الفصول بما يكون فيه صلاح أَمركم واستقامة شأْنكم، وما به تتنوع أَصناف زروعكم وتتعدد أَجناس ثماركم، إلى غير ذلك من النعم الجليلة كالاهتداءِ بها في ظلمات البر والبحر.
٣٤ - (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ): أَي تفضل عليكم فأَعطاكم من كل مسئول سألتموه شيئًا اقتضته مشيئته التابعه للحكمة والمصلحة، كما في قوله:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ".
أَو أَعطاكم من كل ما سأَلتموه وما لم تسأَلوه -فحذف الثاني لدلالة الأَول عليه، ونظيره:"سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ" أي والبرد.
ويجوز أَن يكون المعنى أَنه تعالى أَمدكم بما تحتاجون إِليه في جميع شئونكم، من كل ما هو جدير بسؤالكم، سواءٌ أَسأَلتموه أَم لم تسأَلوه. وفي هذه الحياة أَشياء كثيرة لازال يجهلها الإِنسان وهي مُعَدَّةٌ له، ومتى حان وقت إِبرازها كشف الله له عنها، بما أَمده به من عمق في العلم وقوة في العقل وتوفُّر على البحث، أَو عن طريق الصدفة، وقرئَ بتنوين كل: والمعنى على هذه القراءَة وأَعطاكم من كل شيءٍ: ما سأَلتموه -على أَن (ما) نافيه- أَي من كل شئٍ حال كونكم غير سائليه.
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا): أَي أَن نعم الله عليكم كثيرة متعددة، فإِن حاولتم إِحصاءَها ولو إِجمالًا فإِنكم لن تطيقوه، لأَنها لا يلم بها الحصر ولا يحيط بها العد فلا استعنتم بها على الطاعة. وشكر النعمة وعدم الإِشراك به في العبادة.
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ): المراد من الإِنسان الجنس ومن الكفر كفر النعمة بالتقصير في شكرها.
والمعنى: أَن الإِنسان لا يقدر نعم الله عليه وهي لا تحصى، فتراه عظيم الظلم لنفسه، شديد الكفران لنعم ربه، فهو دائم الانتفاع بها، والتقصير في أَداءِ شكرها، ووضعها في غير موضعها، ولو أَنصف نفسه وعرف حق ربه لاستدام شكره، والوفاءُ بحقه جل وعلا.