عرضت الآيات السابقة شيئًا من أحوال الكافرين، واختصت منهم طائفة تسمع إلى الرسول ﷺ في مجلسه ثم تنكر ما سمعت فور خروجها من المجلس، وتتساءل عنه سخرية واستهزاء، وإمعانًا في العناد، ثم جاءت هذه الآيات بعدها على سنن هذا النسق تتناول الذين اهتدوا وبارك الله هداهم، وآتاهم تقواهم، واختصت منهم جماعة يتعجلون تنزيل آيات من القرآن قاطعة في الإذن بالجهاد ليضربوا على أيدى المشركين، ويردوا كيدهم، وينهنهوا (١) جبروتهم، فإذا أنزلت هذه الآيات أشفق من نزولها مرضى القلوب وضعاف الإيمان، وشملهم الضجر، وتغشَّاهم الخوف حتى أفزع قلوبهم، ونظروا إلى الرسول نظر المغشى عليه من الموت.
وفسر بعض المفسرين (الذين في قلوبهم مرض) بالمناففين، والسورة مكية والمجتع المكي كان صريحًا لا نفاق فيه ولا ضعف إيمان، اللهم إلا أن يكون ذلك مما سبق حُكْمَهُ نزولُهُ، أو تكون الآية مدنية.
والمعنى: ويقول الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله وأجابوا دعوته - يقولون - حرصا على الجهاد، وتحمسا لنصرة الدعوة، وتوعدا للمشركين: هلَّا أنزل الله طائفة من القرآن بينة قاطعة بمشروعية الجهاد، والإذن به حتى ننتصر لدعوتنا، ونرد كيد أعدائنا، فإذا أنزلت سورة محكمة لا تشابه فيها، وذكر فيها الإذن بالجهاد، والأمر به صراحة بحيث لا يحتمل التأويل بوجه آخر - وكل آيات الجهاد محكمة كما قال قتادة - إذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض من ضعاف الإيمان والمنافقين خائفين مشفقين، ينظرون - إليك - أيها الرسول الكريم - نظر من حضرته أعراض الموت، وغشيته أماراته فشخص بصره جبنا وهلعا، وقوله - تعالى -: ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ﴾ تهديد ووعيد