لما ذكر - سبحانه - أحوال أهل الجنة أتبعها ذكر أحوال أهل النار؛ ليبين فضل المطيع على العاصى.
والمعنى: إن المجرمين الذين تمادوا في الإجرام، ورسخوا فيه، وهم الكفار حسبما ينبئ عنه إيرادهم في مقابلة المؤمنين: في عذاب جهنم خالدون ماكثون فيها أبدا، وعليه فلا تدل الآية على خلود عصاة المؤمنين فيه كما ذهب إليه المعتزلة والخوارج. حيث تبين أن المراد بالمجرمين الكافرون، وخلودهم في النار بسبب كفرهم أي: لا يخفف عنهم وهم فيه مبلسون، أي: لا يخفف عنهم العذاب لحظة بل يستمر على شدته، وقوة حدته ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ أي: آيسون من كل أمل ورجاء في أن يفتر عنهم العذاب أو يخفف ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ بمعنى: وما ظلمناهم بعقابنا لهم ولكن كانوا هم الذين ظلموا أنفسهم بسوء اختيارهم لما يؤدى إلى العذاب الخالد لهم وهو الشرك.
المعنى: لما اشتد بهم العذاب: ويئسوا من فتوره، ووقع عليهم من الجوع ما يعدل ما هم فيه من العذاب. كما في بعض الآثار، حينئذ نادوا مالكا وهو خازن جهنم، خلقه الله لغضبه إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضًا، نادوه فقالوا: ﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ أي: سل ربك أن يميتنا حتى نستريح مما نحن فيه؛ أي: قال لهم مالك: ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ في العذاب أبدا لا خلاص لكم منه بموت ولا بغيره، كما قال - تعالى -: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا (٣٦)﴾ (١) قال بعض الأجلة: في الجواب استهزاء بهم؛ لأنه أقام المكث مقام الخلود.