يحتمل أن يكون هذا من تمام قول مالك لأهل النار. أي: إنكم ماكثون في النار لأننا جئناكم في الدنيا بالحق فلم تقبلوا، والمقصود من قوله:(جئناكم) الملائكة لأنهم رسل الله وهو واحد منهم. ويحتمل أن يكون من كلام الله لهم. أي: جئناكم في الدنيا بالحق بإرسال الرسل وإنزال الكتب فأعرضتم وكذبتم، وهو خطاب توبيخ وتقريع لهم من جهته تعالى، مقررًا لجواب مالك لهم بقوله:(إنكم ماكثون) ومبيِّنا لسبب مكثهم، ولا مانع من خطابه - سبحانه - للكفرة تقريعًا (ولكن أكثركم للحق كارهون) أي: ولكن أكثركم للحق - أيِّ حق كان - كارهون لا تقبلونه وتنفرون منه، وفسر الحق بذلك دون تفسيره بالحق المعهود وهو التوحيد أو القرآن؛ لأنهم كانوا كارهين لكل حق مشمئزين منه سواء أكان الخطاب لقريش أم لأهل النار. وقد يقال: المراد بالحق الحقُّ المعهود، وعُبِّر بالأكثر؛ لأن من الأتباع من يكفر تقليدًا.
قال مقاتل: نزلت في تدبير المشركين المكر بالنبي ﷺ في دار الندوة حين استقرَّ أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله ﷺ فتضعف المطالبة بدمه، ولفظ (أمْ) معناه بل والهمزة الإنكارية، وبل للإضراب الانتقالى من توبيخ أهل النار إلى حكايه مؤامرة قريش على الرسول. المعنى: بل أأحكم مشركو مكة بالفعل أمرًا من كيدهم برسول الله ﷺ في دار الندوة حيث تآمروا على قتله، كلا لم يحكموا أمرهم فلذا نجا منهم، فإنا مبرمون ومحكمون ردَّ كيدهم، وحمايته منهم، فلذا أخرجناه من بينهم وهم له راصدون، ولم ينفعهم كيدهم ولم يغن عنهم شيئًا كقوله تعالى: ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ (١).
وقال قتادة: أم أجمعوا على التكذيب، فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث.