للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

١٣٣ - ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ … ﴾ الآية.

بعد أَن بين الله تعالى، عدله بين عباده في جزاءِ الآخرة، عقَّبه بذكر رحمته في معاملة عباده، حيث أَمهلهم وأَنذرهم، ولم يُعَجِّل بعقوبتهم، لعلهم يثوبون إِلى رشدهم، ولا يَغْتَرُّون بإِمهالهم فإِنَّ أَخذه لشديد أَليم.

والمعنى: وربك - يا محمد - هو الغنى عن عباده، وعن طاعتهم له، وهو صاحب الرحمة بعباده، حيث بعث إِليهم رسله مبشرين ومنذرين وناصحين، فإِن أَحسنوا فلأنفسهم، وإِن أَساءُوا فعليها. ولا يعود على الله تعالى، من ذلك شئٌ.

أَخرج الإِمام مسلم في صحيحه حديثا قدسيًّا. رواه أبو ذر ، جاءَ فيه: "يَا عِبَادِى، إِنَّكُمْ لَن تَبْلُغُوا ضُرِّى فَتَضُرُّونِى، وَلَن تَبْلُغُوا نَفعِى فَتَنفَعُونِى … يَا عِبَادِى، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُم، وَإِنسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، مَّا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِى شَيْئًا … يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُمْ وَإِنسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلىَ أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُل وَاحِدٍ مِنكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلْكِى شَيْئًا … " الحديث.

وبعد أَن ذكر الله ﷿ رحمته بإرسال الرسل، هدد المشركين بالإهلاك، إِن هم استمروا على كفرهم. فقال تعالى:

﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾:

أَي: إن يشأْ يهلكْكمْ بسبب كفركم، ويأْت بِخَلَف لكم من بعدكم أَطوع منكم. فهو - سبحانه - قادر على ذلك، مثلما أَنشأَكم من ذرية قوم آخرين من قبلكم.

١٣٤ - ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾:

بعد أَن بين الله في الآية السابقة: أَنه الغنى عن أَعمال خلقه، وأَنه رحيم بهم، وأَنه لو شاءَ أن يذهبهم ويستبدل بهم آخرين لفعل … ولكنه يؤَخرهم إِلى أَجل لا ريب فيه - بين