قال ابن كثير: هذا تعليم من الله ﷿ لنبيه ﷺ في طريقة تلقيه الوحي من الملك، فإِنه كان يبادر إلى أَخذه، ويسابق المَلَك في قراءَته، فأَمره الله ﷿ إِذا جاءَه المَلَك بالوحي أَنه يستمع إِليه، وتكفل له سبحانه أَن يجمعه في صدره وأَن ييسره لأدائه على الوجه الذي أَلقاه إِليه، وأَن يبينه له ويفسره ويوضحه.
قال الآلوسي: أَخرج الإِمام أَحمد والبخاري وغيرهم عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أَن ينفلت منه يريد أَن يحفظه فأَنزل الله سبحانه:(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) إلخ.
فكان رسول الله ﷺ بعد ذلك إِذا أَتاه جبريل ﵇ أَطرق، وفي لفظ استمع، فإِذا ذهب قرأَه كما وعد الله ﷿ فالخطاب في قوله تعالى:"لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ" للنبي ﷺ والضمير في (بِهِ) للقرآن للدلالة عليه من السياق، مثل قوله تعالى:"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ"(١) أَي: لا تحرك بالقرآن لسانك عند إِلقاء الوحي عليك من قبل أَن يُقْضَي إليك وحيه (لِتَعْجَلَ بِهِ) أَي: لتأْخذه على عجلة مخافة أَن ينفلت منك على ما يقتضيه كلام ابن عباس، وقيل لمزيد حبك له وحرصك على أَداء الرسالة، فكان ﷺ لا يحرك لسانه بقراءَة القرآن ما دام جبريل يقرأ بل ينصت إِليه ملقيًا إِليه بقلبه وسمعه حتى يُقضي إِليه وحيه ثم يُقَفِّيه ويتبعه بالقراءَة والدراسة حتى يرسخ في نفسه.
١٧ - (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ):
ثم علل النهي عن العجلة بقوله: إِن علينا جمعه أَي: جمعه في صدرك بحيث لا يذهب