للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرأي الذي نرتضيه]

تبين من هذا البحث أن أحاديث صحيحة وردت بتعذيب بعض المشركين في الفترة بين رسولين، وبما أنه تعالى قال {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} فإننا نرى أن ما ذهب إِليه الماتريدية أَسلم، لما فيه من الجمع بين الكتاب والسنة، فبالسنة يحكم على أهل الفترة بالكفر واستحقاق عذاب النار، لإشراكهم بالله تعالى، وهم غير معذورين في هذا الشرك، فقد كان البدوى منهم يعرف أن البعرة تدل في البعير، وآثار السير على المسير، وأَن هذه الأرض ذات الفجاج، وهذه السماء ذات الأبراج، براهين علي وجود الخالق الكبير العليم، وأَن الشركاء التي عبدوها معه، ليس لها شيء عن الخلق والرزق، فهم لهذا لا يعذرون وإن لم يبعث فيهم رسول, لأن معرفة الله لا تتم إلا بالعقل قبل إِرسال الرسل، وبعدهم - كما تقدم ببانه - ويحمل نَفْى العذاب في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} على نَفْىِ عذاب الاستئصال في الدنيا ما لم يبعث إليهم رسول فيكفروا ويصروا، فبهذا يستحقون الاستئصال، ومعلوم أن الماتريدية من أَهل السنة كالأشاعرة - والله تعالى أعلم.

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧)}

المفردات:

{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}: أمرنا الرؤَساء والمنعمين فيها بالطاعة، وقِيل جعلناهم أمراء (١).

{فَفَسَقُوا فِيهَا}: أي فخرجوا عن الطاعة وتمردوا فيها.


(١) قال القرطبي في تعليله: لأن العرب تقول: أمير غير مأمور أي غير مؤمر وبالمعنى الأول قال ابن عباس وعليه الأكثرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>