ومحل هذا، إِذا لم يكن النفير عاما، وكان التخلف لا يضر الجبهة المقاتلة من المسلمين، بأن كان فيمن خرجوا للقتال كفايةٌ للقاء العدو لإنزال الهزيمة به.
وذلك ما لم توضع نظم تجعل التجنيد إجباريا.
أما مع وجود هذه النظم، كالذي يجري عليه العمل في الدول الإِسلامية اليوم، فإنه حينئذ، لا يحل لأحد أَن يتخلف عن دوره، وإلا كان متخلفا عن الزحف لقتال الأعداء.
والمتخلف عن الزحف: مرتكب أشد الكبائر، معاقَبٌ عند الله أشد العقاب. وللحاكم أن يعزره بما يردعُ سواه من التعازير الشروعة.
﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾: كان تفضيل المجاهدين بهذا الأجر العظيم - زيادة على القاعدين من غير أولى الضرر - إكرامًا من الله لهم؛ لِمُسَارَعَتِهم إلى الجهاد، وبذْلهم أموالَهم وأنفسَهم في سبيل الله: راضين مغتبطين.
وفيه من تأْكيد أجر المقاتلين ما لا يخفى.
وقد بين الله سبحانه - هذا الأجر العظيم، بقوله تعالى:
أي منازل عظيمةً لا يُحيط الوصف بفخامتها وجلال قدرها من عند الله .. تفضَّل الله على المجاهدين بها، لِمَا صدقوا في الجهاد. ومغفرةً لهم من الذنوب، ورحمةً يحيطهم الله بها، ويحفظهم بشمولها؛ لأن المسلم - دائما - في حاجة شديدة إلى مغفرة عظيمة من الله، ينجو بها، ورحمةٍ واسعة يَسْبَحُ في رحابها.
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾:
أي وكان الله - ولا يزال على الدوام - عظيمَ الغفران لذنوب عباده، واسعَ الرحمة بكل شيء.
فلا تزهوا أيها المجاهدون بما بذلتم من أَنفس وأموال في سبيل الله. ولا تنسَوا أن الفضل كلَّه من الله.