من كيدهم لما بدا له من حسدهم ليوسف. وتعبيرهم بقولهم لأبيهم: ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ الآية تؤذن بأنهم طلبوا قبل ذلك من أَبيهم أَن يخرج يوسف معهم، فلم يوافق على ما طلبوه، فقالوا هذه العبارة متعجبين من رفضه لطلبهم، مع أَنه أبوهم جميعًا وهم جميعًا أبناؤه، وأنهم يريدون الخير ليوسف ويشفقون عليه، ويؤكدون ذلك بما تضمنته جملة: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ من المؤكدات المختلفة (١)، ولم يتركوا أباهم يفكر فيما عرضوه عليه وأَشفقوا من أَن لا يجيبهم إلى ما طلبوه فلاحقوه بما يسد عليه باب الرفض، وذلك قولهم له فيما حكاه الله عنهم.
يريدون بذلك المقال أن يسدوا عليه باب التفكير في رفض طلبهم، حيث حددوا له فيه اليوم التالى لذهابه معهم، وطلبوا ذلك منه طلب الواثق من الإِجابة، وعَيَّنوا له الغرض الذي طلبوه من أجله، وهو إن يرتع ويلعب معهم، وكلاهما يحبه الأب لأطفاله، ويحبه الأطفال لأنفسهم وأكدوا أنهم جميعًا له حافظون.
والمعنى أرسل معنا يوسف في رحلة رياضية، يأكل ما يشتهى فيها، حيث يطيب الطعام في الرحلة، ويلعب ما يشاءُ من ألوان اللعب النافع لبدنه وروحه، كالاستباق والاصطياد وأَلعاب الفروسية، ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ وما نظن أنك تخيب رجاءَنا أَو تشك فينا بعد الذي شرحناه لك.
فلما انتهوا من التماسهم أجابهم أَبوهم بما حكاه الله بقوله سبحانه:
طوى يعقوب في نفسه ما يشعر به من كيدهم ليوسف، وقال معتذرا مشفقًا عليه: إني ليحزنني ويؤلمنى أن تذهبوا به ويكون بعيدًا عني لشدة شفقتي عليه، وقلة صبرى عنه، وأَخافُ أن يأكله الذئبُ، وأَنتم عنه غافلون.
(١) وهي "إن" و"اللام" في قوله: ﴿لَنَاصِحُونَ﴾ وتقديم لفظ "له" على ﴿لَنَاصِحُونَ﴾ وكون الجملة اسمية.