أَي وتراهم أَيها الناظر يقابلونك بعيون وصورة كأنها ناظرة إِليك وهى لا تنظر، إِذ هي جماد لا يرى ولا يبصر.
ويجوز أَن يكون الخطاب في الآية للنبي ﷺ وضمير ﴿تَدْعُوهُمْ﴾ للمشركين أَي وإِن تدعو أَيها النبي هؤلاءِ المشركين إِلى الهدى والإِيمان لا يسمعوا لك سماع فهم وإِدراك، لأَن سبل الهداية قد سدَّت عليهم بسوء اختيارهم، وتراهم أَيها النبي ينظرون إليك وهم لا يبصرون رفعة مقامك وجلال قدرك لعمى قلوبهم وطمس بصيرتهم فلم يدركوا ما في دعوتك من الهدى والرشاد.
وعلى هذا تكون الآية السابقة للتنديد بنفس الأَصنام، وهذه الآية للتنديد بعبَدة الأَصنام والأَوثان.
وفي هذا التفسير - على الرأْى الثاني - إشارة لطيفة تؤخذ من قوله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾: لإِدراك الفرق بين طمس البصيرة في الكافرين حتى ينظروا وهم لا يبصرون، وبين ما منحه الله للمؤمنين من منارة الإِيمان التي تنير للبصيرة ما هو كامن مستتر في بعض النفوس بمجرد النظر إِليها ثم يتبين له صدق فراسته بالمخالطة والمعاشرة، كما يشير إِلى ذلك قول الله ﷿ في خطابه لنبيه محمَّد ﷺ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ (١) فالكافر ينظر ببصره، وهو أَعمى البصيرة، بسبب ما ران على قلبه من حجب الكفر والمعاصي والمؤمن ينظر بالفطرة مع فراسة الإِيمان، فيرى ببصيرته بعض صفات المرئى، قبل أَن ينطق ويتكلم، ولهذا كان يوجّه إِلى الرسول ﷺ سؤال واحد في الأُسلوب من عدة أَشخاص، فيجيب بعضهم بقوله:"اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ" ويجيب آخر بقوله: "أطِعُ أَبَوَيْكَ"، ويجيب ثالثا بقوله:"أَحْسِنْ إلَى جَارِكَ"، ومنشأ ذلك أَن النبي ﷺ لهم كالطبيب، فيوصى كل شخص بما يناسبه حسب ما انكشف له من التقصير والعيوب بإِلهام من الله، ونور بصيرته، وهكذا من هذا القبيل نظرة سيدنا أَبي بكر ﵁ إِلى رسول الله ﷺ حين استجاب له من غير تردُّدٍ، لأَنه رأَى منه بأَصل الفطرة ما لم يَرَهُ غيره، وكذلك السيدة