للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَما قولهم: ﴿اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ فالمقصود منه أَن المعاصي والذنوب مآلها الاستئصال بالهلاكِ في الدنيا، أَو العذاب الشديد في الدنيا بدون هلاك، أَو في الآخرة وقد يجمع الله في الدنيا على العصاة الأَمرين الإهلاك وتعذيبهم عذابًا شديدًا، دون الاستئصال أو المراد تعذيبهم في الآخرة، أَو الجمع بين ذلك كله.

وليس المقصود من قول السائلين: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ … ﴾ إلخ: مجرد السؤال عن سبب وعظهم أولئك المعرضين أَو عن حكمته، بل المقصود منه نهيهم عن وعظهم لعدم فائدته كما تقدم بيانه، وقد عدل به إِلى هذا الأُسلوب، لأَنه آكد في النهي، كأنه قيل: أَي حكمة من الاستمرار في وعظهم مع أَنهم مصرّون على الذنب ومعاقبون من الله عليه أَي: لا حكمة فيه فكفّوا عنه.

﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾:

أَي قال المرشدون للعصاة مجيبين من أنكر عليهم وعظ العصاة ومعتذرين عن مواصلة وعظهم: إِنما نفعل ذلك ليكون معذرة لنا عند الله، حتى لا نكون من المقصرين في النهي عن المنكر، ولعل ذلك يكون سببًا لإِقلاعهم عما هم فيه من المعاصي.

١٦٥ - ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾:

أَي فلما تركوا ما ذكرهم به وعاظهم ترك الشئ المنسى، وأَعرضوا عنه إِعراضًا تامًّا، أَنجينا الذين ينهون عن المعصية التي من شأْنها أَن تسوءَ فاعلها وعاقبنا الذين ظلموا أَنفسهم بمخالفة أَوامر الله ونواهيه، بعذاب شديد لا رحمة فيه، بسبب استمرارهم على الفسق والخروج عن طاعة الله تعالى.

١٦٦ - ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾:

بينت الآية السابقة أَن الله تعالى عذبهم بعذاب بئيس لا رحمة فيه بسبب معاصيهم لعلهم يرتدعون، وجاءت هذه الآية لتقرر أَنهم لم يتأَثروا بهذا العذاب، بل استمروا في ارتكاب ما نهوا عنه وزادوا في طغيانهم فعوقبوا بمسخهم قردة في خلقهم أَو أَخلاقهم أذلاء بعيدين عن الإِنسانية صورة أو معنى.