ويُؤَولون إِلقاءَ الشيطان في أُمنيته، بأَنه حَاكَى صوت النبي ﷺ ونغمته في أَثناء سكوته بين الآيات حين تلاوتها، فدسَّ جملتى الغرانيق السابقتين، وقالوا: إِن الشيطان كان يظهر للناس في العهد النبوى في صورة أَحدهم، وكان يكلمهم، ومن ذلك أَنه نادى بعد هزيمة المسلمين في غزوة (أُحُد): أَلا إن محمدا قد قتل، وقال يوم بدر: ﴿لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾.
ويفسر آخرون الشيطان بواحد من كفار قريش، حَاكَى صوت النبي، وحشدها بين قراءَته كأَنه يقرؤُها، وقال غيرهم: إِن الشيطان أَجراها على لسان النبي ﷺ أَثناءَ قراءَته.
وقد عجبنا كيف أَتعب المفسرون أَنفسهم في نقل رواياتها المتناقضة المفتراة وأَطالوا في تأْويلها أَو تفنيدها، وهي ظاهرة البطلان.
وأَول ما نلاحظه على فرية الغرانيق، أَنهم زعموها مدسوسة من الشيطان في سورة النجم، في حين أَن تسلية الرسول عما فعله الشيطان فيها جاءَت في سورة الحج، مع أَنه يفصل بينهما ثلاثون سورة، فلو كان لها ظل من الواقع لكانت التسلية عما فعله الشيطان في نفس السورة التي دُسَّتْ فيها أُكذوبة الغرانيق، لا في سورة سواها تبعد عنها هذا البعد السحيق، في حين أَن سورة النجم مكية، وسورة الحج مدنية على ما قاله الضحاك، فكيف يعقل أَن يسكت القرآن على هذه الفرية تذيع في مكة وتنتشر حتى تبلغ المهاجرين في الحبشة، فيحضروا بسببها كما زعم المفترون، ولا يَرُدَّها إِلا بعد الهجرة إِلى المدينة؟.
وقد أَنكر المحققون هذه الفرية، فقال البيهقى: هذه القصة لم تثبت من جهة النقل وقال القاضى عياض في الشفاءِ: يكفيك في تَوْهِينِ حديث الغرانيق أَنه لم يُخَرِّجهُ أَحد من أَهل الصِّحة، ولا رواه ثقة بسند صحيح سليم، وإِنما أُولِعَ به وبمثله المفسرون والمؤَرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وس