حلف المنافقون على ذلك (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أَنهم كاذبون فيما حلفوا عليه، وفي ذلك إِشارة إلي عظيم شناعة ما فعلوا، فإِن الحلف على ما يعلم أَنه كذب في غاية القبح.
أَي: أَنه - سبحانه - أَعد للمنافقين نوعًا شديدًا من العذاب متفاقمًا، بسبب سوءِ صنيعهم الذي اقترفوه بموالاة الكافرين ونصحهم، ومعاداة المؤمنين وغشهم. وقد بلغوا في الإِساءَة إِليهم أقصى ما تعودوا الإِتيان به، وتمرنوا عليه من فساد وإِفساد منذ الأَزمان الماضية المتطاولة التي كانوا فيها يعيثون في الأَرض الفساد.
المعنى: أَن اتخاذهم لأَيمانهم الكاذبة الفاجرة وقايةً وسترًا حتى تسلم دماؤهم وأَموالهم إذا ما افتضح وانكشف أَمرهم هو عبارة عن إِعدادهم لتلك الأَيمان، وتهيئتهم إِلي وقت الحاجة ليحلفوا بها، ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأَخر عن المؤاخذة وبما ذكر وضح أَن المراد من قوله - تعالى -: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) أَي: أَعدوها.
أَما في قراءَة الحسن (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ) بكسر الهمزة، فالاتحاد عبارة عن التستر بالفعل كأَنه قيل: تستروا مما أَظهروه من الإِيمان عن أَن تستباح دماؤهم بالقتل وأَموالهم بالغنيمة وذرايهم بالسبي (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أَي: فصد المنافقون الناس عن سبيل الله في خلال أَمنهم بتثبيط من لقوا منهم عن الدخول في الإِسلام وتهوين أَمر المسلمين عندهم، أَو قصد: ومنع المنافقون المسلمين عن سبيل الله فيهم وهو قتلهم لكفرهم ونفاقهم هذا هو سبيل الله فيهم. ثم ختمت الآية بوعيد ثان ووصف آخر لعذابهم الذي وصف أَولًا بأَنه شديد في قوله - تعالى -: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ لبيان أَن العذاب بوصفيه الشديد والمهين بلغ الغاية في الشدة والإِهانة حتى حق عليهم قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ﴾ (١)، وقيل: الأَول لعذاب القبر والثاني للآخرة.