والضمير في (به) للقول السابق، ومقصود الاستفهام في (أتواصوا به) التعجيب من إجماعهم على هذا القول الكاذب.
٥٤ - (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ):
أي: فأعرض - يا محمد - عن جدال هؤلاء المعاندين فقد كَرّرت عليهم الدعوة ولم تأل جهدًا في البيان فلم يستجيبوا، وعرفت منهم العناد واللَّجاج فلا لوم عليك في إعراضك بعد ما بلَّغت الرسالة وأديت الأمانة وبذلت مجهودك في التبليغ والدعوة، وما أنت بملوم على عدم استجابتهم إن عليك إلاَّ البلاغ، وإنما أنت منذر. وقد فعلت.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقى في الشُّعَب وجماعة من طريق مجاهد عن عليّ - كرّم الله وجهه - قال: لما نزلت (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) لم يبق منا أحد إلاَّ أيقن بالهلكة إذ أمر النبي ﷺ أَن يتولَّى عنّا، فنزلت (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) فطابت أنفسنا.
عن قتادة: أنهم ظنُّوا أَن الوحى قد انقطع وأن العذاب قد حضر فأنزل الله (وذكِّر) الخ، والمعنى: دُمْ على التذكير والموعظة ولا تَدَعْ ذلك: فالأمر بالتذكير للدوام عليه، فإنَّ الذكرى تفيد وتُجْدى مع الذين قدّر الله هدايتهم وعلم أنَّهم سيدخلون في ساحة الإيمان لاختيارهم ذلك، أو مع المؤمنين بالفعل: فإنها تزيدهم بصيرة بالدين وقوّة في اليقين.
استئناف مؤكد للأمر الذي قبله مقرِّر لمضمون تعليله؛ فإن خلهقم للعبادة مما يدعوه ﷺ إلى تذكيرهم، ويوجب عليهم التذكر والاتعاظ، ولعل تقديم الجن في الذكر لتقدّم خلقهم على خلق الإنس في الوجود، ولم يذكر الملائكة لاستغنائهم عن التذكير والموعظة؛ لأنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.