أي أَلنا له الحديد وأَمرناه أن اعمل منه سابغات، ويحتمل أَن تكون علة وغاية على معنى أَلنا له الحديد ليعمل سابغات.
وعن مقاتل أنه ﵇ حين ملك علي بني إسرائيل كان يخرج متنكرًا فيسألُ الناسَ عن حاله، فعرض له ملك في صورة إنسان فسأَله فقال: نعم العبد لولا خلة فيه، فقال: وما هي؟ قال: يُرْزَقُ من بيت المال، ولو أَكل من عمل يده لتمّت فضائله، فدعا الله - تعالى - أَن يعلمه صنعة ويسهلها عليه فعلمه صنعة الدروع، وأَلان له الحديد، فأَثرى، وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين، وكان يفرغ من الدرع في بعض يوم أو بعض ليلة وثمنها أَلف درهم ينفق بعضها على أَهله، وينفق الباقي في مصالح المسلمين والصدقات.
كذا قيل، ولعل الأَقرب إلى الفهم أَن داود ﵇ كان يكره أَن يرزق من بيت المال، ويحب أن يأْكل من عمل يده تورعًا، فدعا الله أَن يعلمه صنعة وييسرها له ليأْكل من عمل يده فتم له ذلك ويسره الله له وكان أَول من اتخذها.
وقوله تعالى: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ معناه: وأَحكم نسج الدرُوع وأَتقن صنعتها بحيث تتناسب حلقها ولا تكون مضطربة قلقة ولا تكون غليظة فيشق حملها ولا خفيفة فيسهل كسرها، وقيل: معنى قدِّر في السرد: اقتصد في نسج الدروع فلا تصرف وقتك كله فيه، واعمل فيه بما يوفر لك القوت والإعاشة، واصرف باقي وقتك في عبادة الله وطاعته، وهذا هو الأَنسب بقوله تعالى: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ فإنه خطاب من الله - تعالى - لداود وآله وتكليف لهم بالعمل الصالح الذي يرضي الله تعالى، ومع أَن أَهله لم يجر لهم ذكر