هذه الآية الكريمة فيها تسلية لرسول الله، ووعيد لهؤلاء المستهزئين، فقد أخبر الله رسوله بأنه - سبحانه - يعلم بحالهم الذي يستمعون به القرآن وقت استماعهم إليه حين يتلوه، من الاستخفاف وإثارة اللغو والتصفيق والصفير، وكما يعلم ذلك - سبحانه - أمرهم حين يتناجون فيما بينهم ويتهامسون عنه في خلواتهم، ويفترون عليه الكذب.
ويقول هؤلاء المشركون الضالون عن صراط الحق يقولون للناس إنكم حين تتبعون محمدا لا تتبعون إلا رجلا قد أصابه السحر فاختلط عليه الأمر، ويعقب الله هذه التهم بقوله:
انظر يا محمد - عليك الصلاة والسلام - متعجبًا من حمقهم وسفاهتهم، كيف تطاولوا عليك فزعموا أنك ساحر، كما زعموا من قبل أنك كاهن وشاعر ومجنون، فضربوا لك الأمثال فضلوا وبعدوا عن الحق وتحيَّروا في أمرهم معك، فهم لا يهتدون إلى الحق ولا إلى طريق ينال منك أو يصرف الناس عنك.
وقال هؤلاء المشركون - منكرين البعث مستبعدين له -: أئذا متنا وصرنا عظاما وحطاما مفتتا، نبعث من قبورنا، نخلق خلقا جديدا كما يقول لنا محمد، وهذا القول منهم هو غاية الإنكار لأدلة الإمكان والوقوع، أما الإمكان فلأن الله الذي خلق الناس ابتداء باعترافهم قادر على إعادتهم وبعثهم من قبورهم للحساب لأن الإعادة أيسر من الابتداء عادة، وأما الوقوع فلأنه تعالى عادل فلا يعقل أن يترك المحسن دون إثابة، والمسيء دون عقاب، فلا بد من البعث لينال كلٌّ جزاء ما قدمت يداه.