سقاءً، وحِجْرها مهادًا ووطاءً، تؤثره على نفسها، وتَفْدِيه بروحها، هذا فضلًا عن أن الجنة تجت أقدامها، فَبِرُّها خير وبركة، وغنى وسعادة، وبالجملة فبر الوالدين ينبغي أَن يكون في أَجمل وأبهى حلله فإنه بعض الوفاءِ لِفضلهما ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ وإِن من سوء الطالع أَن يعق الولد أبويه، فيقابل الحسنة بالسيئة، والنعم والفضل بالجحود والكفران، والعناية بالترك والإهمال، إن فى هذا لَبَوَارًا وخسرانًا فى الدنيا، وغضبًا من الله وحرمانًا من رضوانه فى الآخرة.
أَى إِن حق الوالدين لا يقف عند إخفاء الضجر والبعد عن الانتهار والزجر، ولا عند الإحسان بالقول الطيب واللفظ اللَّين كما جاءت به الآية السابقة، بل إن وراءَ ذلك ما جاءت به هذه الآية من أَن تبسط لهما من نفسك، وتخفض جناح الذل منك كما يخفض ويبسط الطائر جناحه على فراخه رعاية وشفقة وحنانًا، بحيث لا يشوب هذا الخفض تكلف ولا تصنع ولا رياءٌ، ولا تخالطه رائحة استعلاءٍ أو يشم منه أَثر كبر أو مَنّ، بل يكون ذلك عن رحمة لمن أسدى إِليك معروفًا وقدم إِليك برًّا ورعاية، وقد أتاح الله لك فرصة فاغتنمها بأداء بعض ما عليك لهما، والوفاءِ بما لديك من دَيْنهما، فهما مفتقران إِلى من يأخذ بأيديهما ويعطف عليهما ويقوم على برهما فى كبرهما، وأنت أولى الناس بهما، ثم لا يقف بك الأمر عند هذا بل توجه إِلى الله بقلب ضارع تَقِيٍّ أن يرحمهما برحمته الواسعة فى الدنيا والآخرة، فتكون بذلك نعم الولد الذى يدعو لوالديه فيصلهما بره حتى بعد وفاتهما ولا ينقطع عملهما وأَنت تدعو لهما، وهذا الدعاءُ جزاءُ تربيتهما لك، ورحمتهما بك، فقل: رب ارحمهما كما ربَّياني صغيرًا، فتكون نعم المجازى والمكافيء .. وفي أمر الله الولد أَن يدعو لوالديه بالرحمة مع قيامه ببرهما والإِحسان إليهما، ما يشير إلى أن الولد مهما بذل وأَعطى وأَحسن إِلى والديه فلا يستطيع أَن يوفيهما حقهما، وأَنه لا يفي بذلك الحق سوى الله تعالى، فلذلك يدعوه سبحانه ليجبر عنه النقص فى برهما .. هذا وإِنَّ بِرَّ الوالدين لا يتوقف على كونهما مسلمين أَو طائِعَيْن .. بل يشملهما ولو كانا فاسقين أَو كافرين ولكنه لا يطيعهما في كفر أَو فسق، قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ