للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ وله أن يدعو لأبويه الفاسقين بالغفران والرحمة بعد موتهما، طمعًا في فضل الله، ولكن ليس له أن يدعو لهما بذلك إِن كانا كافرين، لقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾.

وعليه أن ينصح والديه الفاسقين أَو الكافرين في رفق ولين، فإن وفقه الله تعالى فمن فضله عليه وعليهما، وإلا فقد أعذر لربه كما أعذر له إبراهيم في نصح أَبيه آزر: ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ الآيات من سورة مريم.

هذا وإن بر الوالدين لا ينقطع بموتهما، بل جعله الله موصولًا بعد وفاتهما إكرامًا لحقهما وتوكيدًا لمكانتهما.

فعن أبي أُسَيْدٍ وهو مالك بن ربيعة الساعدي قال: "بينا نَحْن جلُوس عِند رَسُولِ اللهِ . إذ جاء رَجل مِنْ بَنِي سلمَة فقال: يا رَسُول الله هَل بقِى مِنْ بر أَبَوَىَّ شيء أَبرُّهُمَا بِهِ بعد مَوْتِهِمَا؟ فقال: نعم الصلاة عليهما، الاسْتغْفَارُ لهما، وإِنفاذ عهدهما، من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما" (١).

٢٥ - ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾:

أي إِن الله الذي خلقكم ورباكم بنعمه وفضله أعظم علمًا بما انطوت عليه صدوركم وما انعقدت عليه قلوبكم: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ فإن كنتم من الذين مَنَّ الله عليهم بالتقوى وجعلهم في زمرة الصالحين ورجعتم إِليه تائبين، فإنه سبحانه يتفضل عليكم بالتجاوز عما وقع منكم، من تقصير بَدَرَ منكم بمقتضى الجِبِلة البشرية التي هي مظنة الجهالة، فإنه كان ولا يزال غفورًا للتوابين، وفي هذه الآية وعد صريح وبشارة واضحة للمُطيع البار، وإِنذار ضمني للعاصي المعاند، فالله سبحانه يحاسب كلا على عمله ونيته "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ ومَا نَوَى" ..


(١) رواه أبو داود.