﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾: أيشركون بالله - تعالى - فيجحدون بهذا الإشراك ما أعطاهم من نعمة حيث اقتضت عبادتهم لآلهتهم أن هذه النعم منهم، أو أنهم شركاء فيها، مع أَنها من فضل الله دون سواه، ثم بين فضله عليهم في الأزواج والأولاد والأَتباع ورزق الطيبات، وعدم قيامهم بموجب إنعام فقال:
والله تعالى جعل لكم يا بني آدم زوجات من جنسكم لتأنسوا بهن، ويكون أولادكم أمثالكم، فتتناسلوا وتنجبوا نوعا واحدًا بلا تباين ولا اختلاف، وقيل هو خلق حواء من ضلع آدم، والأَول أظهر.
الحفدة: جمع حافد. وهو من يسرع في الخدمة والطاعة، وقد اختلف العلماء في بيان المراد منه هنا، وقد مرَّ في المفردات بيان بعض ما قالوه في ذلك وأَظهره أنهم أولاد الأَولاد، قال القرطبي: ما قاله الأزهرى من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهرُ القرآن بل نصه، ألا ترى أنه قال:"وَجَعَلَ لَكم منْ أزْوَاجِكُم بنين وحفَدَةً، فجعل الحفدة والبنين منهن" اهـ.
وهو الذي استظهره ابن العربي.
والطيبات: لذائذ النعم، أو حلالها.
والمعنى: والله جعل لكم من جنسكم زوجات لتستريح نفوسكم إلى معاشرتهن، وتسكن قلوبكم عند لقائهن، وتزول همومكم بأحاديثهن، ولم يجعلهنّ من جنس آخر تنفر منه الطباع، ويختلف بسببه الجنس البشرى، ورزقكم لذائذ النعم وما أَحله منها، وكان عليكم أن تشكروه ولا تكفروه، وتوحدوه ولا تعبدوا معه غيره، ولكنكم أخللتم بمقتضى نعمته، ولهذا نعى على الكافرين ذلك فقال:
أفبالباطل من ألوهية شركائهم وحرمة البحائر والسوائب ونحوها يصدقون، وبنعمة الله التي لا حصر لها يكفرون، حيث يضيفونها لآلهتهم، وينسون الله الذي أنعم بها عليهم.