والمعنى: واصبر نفسك وثَبِّتْها مع أولئك الفقراء المخلصين الذين يعبدون ربهم في كل وقت تَتَيَسَّرُ لهم العبادة فيه، يريدون بتلك العبادة ذاته ورضاه، دون رياء للناس ورغبة في ثنائهم.
أَي ولا تجاوزهم عيناك يا محمد ولا تقتحمهم، فتبعدهم عن مجلسك استهانة بهم - كما اقترح عليك رؤَساءُ قريش ليجالسوك ويستمعوا إليك - لا تفعل ذلك - تريد بتركهم وإِغفالهم زينة الحياة الدنيا، بأن يكون جلساؤُك من الأشراف، ولا تطع في تنحيتهم عن مجلسك، مَنْ جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا ومعرفتنا، بسبب انصرافه عن الحق وبعده عن الهدى، واتباعه لهواه، وكان أمره ضَياعًا وهلاكا، حيث ترك الإيمان، وتعلل بأسباب واهية، فمثل هذا لا وزن له عندنا، والوزن كل الوزن لأهل الحق الثابتين عليه وإِن كانوا فقراء، فدع هؤُلاء، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات؛ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
وقيل أيها الرسول لهؤُلاء المشركين الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا واتبعوا هواهم وكان أمرهم ضياعًا - قل لهم - هذا القرآن الذي أدعوكم إلى الإيمان به هو الحق من ربكم لا ريب فيه، ولست عليكم بجبار، فمن أَراد الإيمان به حق اعتقاد راسخ، دون اشتراط إِبعاد الفقراء فليؤْمن، وله ثوابه، ومن أراد الكفر به عن هوى وحقد وعنادٍ فليكفر وعليه عقابه.
هذه الجملة تعليل للأمر السابق، أَي قل لهم أيها الرسول: ما أَمرناك به من دعوتهم إِلى الإيمان بما أَنت عليه من الحق وتخييرهم بين الإيمان والكفر به على سبيل، الوعيد، لأنا هيأنا لهؤلاء الظالمين المعاندين المستكبرين إن استمروا على كفرهم - هيأنا وأعددنا لهم - نارًا هائلة أَحاط بهم لهبها الذي يشبه السرادق في إحاطته بهم.