وهذا تعميم بعد تخصيص لبعض المراد بالذكر في الآيتين السابقتين لغاية انهماكهم فيه واقترافهم لمساوئه بيعا وشراءً ليكمل لهم بهذا التعميم في النهي البعد عن شريعة الله إلى شرعها لهم في كل شأن من شئونهم.
﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾: أي ولا تبالغوا في الإفساد فيها بقطع الطريق والقتل والسلب، وإهلاك الزرع، وكانوا يفعلون ذلك، فنهوا عنه بالتنصيص ردعا لهم، وتقبيحًا لصنيعهم السئ الذي ينفر منه كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
يخوفهم شعيب ﵇ بأس الله - تعالى - الذي أَوجدهم، أوجد الجبلة: أي الخليقة الأَولين، ويراد بها العدد الكثير من الأمم الماضية في الأزمان المتعاقبة كما يشير إلى ذلك قوله ﷾: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾ (١).
والمعنى: اتقوا الله - سبحانه - فهو بعظيم قدرته وواسع سلطانه أوجدكم من عدم، وأوجد أُممًا تقدمت عليكم كثيرة العدد، ومع ما هم عليه من كثرة وعُتُوٍّ لم يعجزوه جل شأْنه بل أَخذهم أخذ عزيز مقتدر، وفي ذلك الدليل الساطع على تفرده بالأُلوهية والدَّافع القوي على عبادته وتقواه، وهو سبحانه عزيز ذو انتقام ممن استحب العمى على الهدى، واستمرأَ الضلال، واستهواه الإِعراض والتكذيب لدعوة الأنبياء والمرسلين.