للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي ذكر: الباريءِ في هذا المقام، تقريع لهم بما كان منهم؛ من ترك عبادة الله الذي برأهم بلطيف حكمته، إلى عبادة ما لا يقدر على شيءٍ، وهو مثل في الغباوة والبلادة .. والفاءُ هنا.

تفيد تسبب الأمر بالتوبة على اتخاذهم العجل.

٢ - ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾: المتبادر من القتل، إزهاق الروح، فإن كانت توبتهم هي القتل، فالمراد بقوله تعالى: ﴿فَتُوبُوا﴾: اعزموا على التوبة، هذا إذا كانت الفاءُ للتعقيب.

فإن كانت تفسيرية. فالتوبة على أصل معناها، والقتل تفسير لها، كما قيل في قوله تعالى: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ … (١)﴾.

وإن كانت توبتهم هي الندم المعبر عنه بالقتل مبالغة، فعطف القنل على التوبة للتفسير، ولا إشكال فيه.

وكثير عن المفسرين- سلفًا وخلفًا- على أَن القتل حقيقي.

قال سفيان بن عيينة: كانت- توبة بني إسرائيل القتل.

وقال الزهري: لما قيل لهم: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ قاموا صفين. وقتل

بعضهم بعضًا حتى قيل لهم: كفوا، فكان ذلك شهادة للمقتول وتوبة للحي اهـ.

ورُوِىَ: أنه أَمر من لم يعبد العجل أن يقتل من عبده.

قيل: كانت جملة القتلى سبعين أَلفا. وبتمامها نزلت التوبة وسقطت الشِّفَارُ من أيديهم.

ونظرًا لأنه لم يأْت نص يعول عليه في السنة، يقتضى أَن القتل حقيقي-، فقد جنح بعض العلماءِ إلى أن المراد بالآية: اجعلو اأنفسكم كالمقتوله: بمزيد الغم والندم والإذلال.

وقدورد استعمال القتل في غير حقيقته في اللغة والسنة.

ومما وردفى ذلك قوله :"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأَخير منها".

أَي أبطلوا دعوته كمن مات- اهـ من لسان العرب.

وقد صدَر أبو السعود والبيضاوى تفسيرالآية بهذا المعنى المجازى، فقال كلاهما: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾: إتماما لتوبتكم بالبخع (٢) أوقطع الشهوات اهـ.


(١) الأعراف - من الآية: ١٣٦
(٢) البخع: قتل النفس غمّا ١٠ هـ من القاموس.