للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والسارق: هو الذي يأخذ مال غيره خفية من حرز مثله ولا شبهة له فيه، دون طعن بسلاح أو تهديد به، فإِن طعن بصلاح، أو هدد به - وهو ما يعرف الآن بالسطو المسلح - فحكمه حكم قاطع الطريق، الذي يسعى في الأَرض فسادا. وقد مر بيانه في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ … ﴾ (١).

ولا يعاقب السارق هذا العقاب، إلا إذا كان بالغًا عاقلا، غير مالك للمسروق منه، ولا ولاية له عليه .. فلا تقطع يد صبي ولا مجنون، ولا سيد أَخذ مال عبده؛ لأن العبد وماله لسيده. ولا يدُ عبد سرق مال سيده بإجماع الصحابة.

قال عمر بن الخطاب ، في غلام لعبد الله بن عمرو الحضرمي سرق مرآة لامرأته ثمنها ستون درهمًا: "غلامكم، سرق متاعكم" ولم تقطع يده.

ولا يقطع الوالدان بسرقة مال ولدهما لقوله : "أنتَ ومالُكَ لأبِيكَ" (٢)، ويقطع هو في سرقة مال أبويه؛ لأنه لا شبهة له فيه. كذا قيل.

والراجح: أَنه لا يقطع؛ لأن الابن ينبسط في مال أبيه كالعادة.

وإِذا كان العبد لا يقطع في سرقة مال سيده، فالابن أولى.

وإذا استكمل هذه الشروط، فلا تقطع يده، إلا إِذا سرق ما قيمته ربع دينار. لقوله : "تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ في رُبعْ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" (٣).

وبهذا أَخذ عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي، والشافعي، والليث وغيرهم.

ومن العلماء من قال: تقطع يده في عشرة دراهم، ومنهم من قال: في خمسة دراهم.

ومنهم من قال: تقطع في القليل والكثير.

والقول الأول: أصح؛ لاستناده إِلى الحديث الصحيح، الذي ذكرناه.

وأَما ما رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ: يَسرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ".


(١) المائدة، من الآية: ٣٣
(٢) رواه ابن ماجه والطبراني.
(٣) رواه الشيخان عن عائشة.