بعد أَن بينت الآية السابقة، استهزاءَهم بالدين مطلقا، جاءَت هذه الآية: تتحدث عن استهزائهم ببعض ما شرعه الله في هذا الدين من أحكام - واختارت الصلاة لأنها أكثر أركان الإِسلام مظهرا - إِظهارًا لغاية شقاوتهم، وفظاعة جرمهم.
أَي: وإِذا أَذَّن المؤذِّن منكم - أيها المؤْمنون - لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة، ليقبلوا على أدائها. استهزءُوا بهذه العبادة التي تشمل الأذان والصلاة جميعًا.
وكانت لهم في الاستهزاء والسخرية، أَساليبُ متنوعة.
منها كما رُوِىَ - أنهم كانوا حين يقوم المسلمون للصلاة يقولون: صَلُّوا … لا صلَّوا … قاموا … لا قاموا.
ومنها: أنهم كانوا يقولون: يا محمد، لقد ابتدعتَ شيئًا لم يُسْمَعْ به فيما مضى.
فإن كنت نبيًّا، فقد خالفت - فيما أحدثت - جميع الأنبياءِ .. فمن أَين لك صياحٌ كصياح العير؟!
(ذَلِكَ بِأنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ):
أي ذلك الذي تقدم - من الاستهزاء بصلاة المؤمنين والأذان لها - إنما وقع بسبب أنهم سفهاء لا يعقلون؛ لأن السفه يؤَدي إلى الجهل بمحاسن الحق، والاستهزاء به. ولو كان عندهم أدنى إدراك، أو أقل تعقل، لَمَا أَقدموا على هذه السفاهات، ولما ارتكبوا تلك الحماقات، ولَعَلِموا أن الصلاة - كما قال بعض الحكماء - أَشرف الحركات. فهي خضوع لله، ومَنجاةٌ، فضلا عن ربطها الوثيق للجماعات الإِسلامية، وإِشعار المسلمين بولائهم لله ورسوله وعامتهم.
هذا إلى جانب ما في الصلاة، من تقوية روحية وبدنية، وتنظيمات عسكرية.