للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد حقق الله قضاءه فيهم. فكانوا أبخل الناس في الدنيا. وأحرصهم على المال. وباءوا في الآخرة بالخلود في النار.

﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾:

أي: ليس الأمر كما يزعم هؤلاء اليهود. بل هو سبحانه. في غاية ما يكون من الجود والغنى .. نِعَمُهُ الظاهرة والباطنة منتشرة بين الناس جميعًا: تغمرهم بفيضها، وتمتد عليهم في الدنيا والآخرة بظلالها. لا تغيض ولا تنفد.

وقد أشير بتثنية اليد إلى تقرير غاية جوده وغناه. فإن أَقصى ما تصل إِليه همة الجواد السخى، أَن يُعطىَ ما يعطيه، بكلتا يديه.

وفي قوله تعالى: ﴿يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ تأكيد لكمال جوده وغناه، وتقرير لهما … إِذ معناه أَنه تعالى يرزق كما يريد: إن شاءَ وسّع والعطاءِ، وإِن شاءَ ضيقه. فعطاؤه تابع لمشيئته المبنية على الحكم التي شاءَ الله أن يقوم عليها نظام الدنيا والآخرة.

وليس ضيق العيش لنقص في خزائنه. ولا لإِمساك الخيرِ والبخل به عن عباده. وإنما هو لحكمة يعلمها ولا نعلمها. قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ (١) وقال تعالَى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (٢).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يَمِينُ اللهِ ملأى لَا يَغِيضُهَا سَخَاءُ اللَّيل والنهارِ. أَرَأَيْتمْ مَا أَنفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأرْضَ!! فَإِنَّه لمْ يَغِضْ مَا في يَمِينِهِ - قال - وَعَرْشُهُ عَلىَ الماءِ، وبيده الأخرى القبض. . . يَرْفع وَيخفضُ" (٣).

﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾:

المراد بالكثير: علماءُ اليهود ورؤَساؤهم. وهم طغاة كافرون. ولكنهم يزدادون شدة في الكفر، وغلوًّا في الإِنكار والطغيان، كلما سمعوا آية أَنزلها الله إِليك.


(١) الشورى، الآية: ٢٧
(٢) آل عمران، الآية: ٢٦
(٣) أخرجه الإِمام مسلم.