للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وصلاح أَمر الدنيا وقيامها: بأَمنٍ داخل الحرم بسبب حرمة التعرض له، ويجبى إليه ثمرات كل شيء، وذلك لأَن مكة بلد لا زرع فيه ولا ضرع.

فقد جعل الله الكعبة مُعَظَّمةً في القلوب يَفِدُ إِليها الناس من كل فج عميق، لأداءِ المناسك، وصار ذلك سببا في إِسباغ النعم على أهلها، إجابة لدعوة سيدنا إِبراهيم الخليل، صلوات الله وسلامه عليه. كما حكاه الله تعالى عنه في قوله سبحانه: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (١).

وَلقد حقق الله دعوة سيدنا إبراهيم ، فأصبحت الكعبةُ مثابةً للناس وأَمْنًا لمن لاذ بها. كما صارت أَمنا لأَهلها على أَنفسهم وأموالهم. فقد كان العرب يغير بعضهم على بعض إِلا في الحرم. فلو لَقِىَ الرجلُ قَاتِلَ أَبيه أَوابنه، لم يتعرض له بسوءٍ.

وقد أُثر عن سيدنا عمر أنه قال: "لو ظَفِرْتُ فيه بقاتِلِ الخطاب - أَبيه - ما مَسَسْتُه".

وكذلك جعل اللهُ الشهر الحرامَ سببًا لقيام الناس لأَن العرب كانوا يتقاتلون في سائر الأشهر، حتى إذا دخل الشهر الحرام، كفُّوا عن القتال، وزال الخوف والفزع، وباشروا الأسفار والتجارات. وهم آمنون على أَنفسهم وأموالهم. ولهذا كانوا يكتسبون - في الشهر الحرام - أَقواتهم التي تغنيهم وتسد حاجتهم طول العام. وكذلك جعل الله تعالى الهَدْىَ قياما للدين وللدنيا لأنه يُهْدَى إِلى البيت الحرام، ويُذبَح ويُفرق على فقراءَ الحرم ومساكينه. فيكون نسكا للمُهدِى: يُثَاب عليه، وقياما لمعيشة الفقراءِ والمساكين.

وكذلك القلائد: أَي النعم المقلدة؛ جعلها الله سبحانه قياما للناس. فإن لحمها طعام لمساكين الحرم؛ يقوم به أَمر دنياهم. وثوابها يرجع إِلى من يقدمها. فيقوم بها أمر أُخراه. وتخصيصها بالذكر - مع شمول الهدى إِياها - لبيان أن الشر أَباح تقليد المهدي، لما فيه من إِظهار شعائر الله والمبالغة في منع التعرض لها.


(١) إبراهيم، الآية: ٣٧