وروى البخاري - بسنده، عن أنس بن مالك قال: خطب رسول الله ﷺ خطبة ما سمعت مثلها قط. وقال فيها: "لَوْ تعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكتمْ قَليلًا ولَبكَيْتُمْ كَثيرًا" قال، فغطَّى أصحابُ رسولِ الله ﷺ وُجُوهَهم - لهم حنينٌ - فقال رجل: مَنْ أَبى؟ فقال: فلان … فنزلت هذه الآية:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾:
أي: يأَيَّهَا الذين آمنوا - لا تسأَلوا رسول الله عن أَشياءَ من أمور الدين ودقائق التكاليف. أَو من أمور الغيب، أَو الأَسرار الخفية، أَو غير ذلك - حتى لا يحرجكم بيانه أو يحزنكم ويسوءَكم سماعه: إِما بتشريعِ ما يشق عليكم، أَو بذكَرِ أَسرار تفضح أَهلها.
﴿وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾:
أَي: وإِن تسأَلوا رسولَ اللهِ ﷺ، عن تلك الأَشياء - في زمان نزول الوحى ووجود الرسول بينكم - فإِن الله تعالى يُظْهِرها ويُبْديها لكم على لسان رسوله.
وفي هذا تحذير من السؤال عن أَشياء: يكون من شأْن إِبدائها، حرج للسائلين.
أَما السؤال لغرض التَّفَقُهِ أَو الحكم في أَمر ديني، فلا مانع منه. كما وقع في شأن تحريم الخمر، بعد نزول آية البقرة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ … ﴾ (١) الآية.
فقد سأَل عمر بن الخطاب، ﵁، وكرَّر المسألة: "اللَهُمَّ بَيِّنْ لَنَا في الخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا". حتى انتهى التشريع إِلى تحريم الخمر تحريما قاطعا.
﴿عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾:
أي: عفا الله عما سلف من مساءَلتكم عنها قبل التحريم. فلا تعودوا إِلى مثل ذلك فيما بعد.
ومعنى قوله تعالى:
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾:
أَي: عظيم الغفران والحلم، فلا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم من الذنوب فهو تعالى يعفو عن كثير.
(١) البقرة، من الآية: ٢١٩