أَي لو أَنزلنا عليه ملكا، في صورته الحقيقية وشاهدوه بأَعينهم، لزهقت أَرواحهم من هول ما يشاهدون، من غير تأْخير أَوانتظار. أَو لأَن الله أَجرىَ سنته بأَن مَن طلب آية وأجيب لها فلم يؤْمن، عَذبه الله في الحال - عذاب استئصال.
ومن أجل هذا، لم يستجب الله لِمُقتَرَحِ أَهل مكة، حتى لا ينزل بهم عذاب الاستئصال إذا كذبوا، تكريما لنبيه ﷺ، وتحقيقا لوعده "وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذَبَهُمْ وَأنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعذِّبَهُمْ وَهمْ يَسْتَغْفِرُونَ"(١).
أي لو جعلنا النذير الذي اقترحوا إِنزاله معه مَلَكا، لمثلناه رجلًا، لِيَقْوَوْا على مشاهدته وسماع كلامه، لعدم استطاعتهما رؤْية الْمَلَكِ على صورته الأصلية.
ومن أجل هذا، كانت الملائكةُ تأتي الأَنبياء في صورة الإِنس أَحيانا. كما جاءَ جبريل ﵇ إلى النبي ﷺ، في صورة دِحْية الكلبي. وكما أتت الملائكة إِلى إِبراهيم ولوط - عليه ما السلام - في صورة رجال.
ولو جعلناه في صورة بشر ليأنسوا به، لاعتقدوا أَنه بشرٌ، لأنهم لا يدركون منه إلا صورته وصفاتهِ التي تمثَّل بها. وحينئذ، يقعون في نفس اللَّبْسِ والاشتباه الذي وقعوا فيه، بسبب كَوْن الرسول بشرًا يقترحون جَعْلَه ملَكًا.
وإذا كان إِرسال الْمَلَكِ سيؤَدى إلى هذه النتيجة - أَو تلك - فليس من الحكمة جعل الرسول مَلَكا. بل الحكمة: أَن يكون بشرا من بينهم، مؤيَّدا من الله بالمعجزات حتى يمكن الاقتداء به.