ثم بَيَّنَ في هذه الآية. كَذِبَهم في ادعائهم أَنهم لا يعرفون محمدا ﷺ فهم يعرفونه بالنبوة والرسالة كما يعرفون أَبناءَهم.
فقد رُوِيَ أَن النبي ﵊ لما قدم المدينة، وأسلم عبد الله بن سلام. قال له عمر: إِن الله أَنزل على نبيه بمكة:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ … ﴾ الآية. فكيف هذه المعرفة؟ قال عبد الله بن سَلَام: يا عمر، لقد عرفتُه - حين رأيتُهُ - كما أَعرف ابنى. ولأَنا أَشدُّ معرفة بمحمدٍ مني بابني. فقال عمر: كيف ذلك؟ فقال: أَشهد أَنه رسول الله حقًّا.
ولا أَدرى ما تصنع النساءُ.
والمعنى: الذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى، يعرفون محمدا النبىَّ الأُمىَّ خاتم الرسل بحليته ونعته الثابت في التوراة والإِنجيل، معرفةً مستيقنة، كما يعرفون أَبناءَهم بحلاهم ونعوتهم. ولو أَنهم كانوا مؤمنين بالله والكتاب الذي معهم، لآمنوا بمحمد وبالكتاب الذي معه. ولكنهم كتموا شهادة الحق: بَغْيًا وحَسَدا. فخرسوا ولم ينطقوا. أَو نطقوا: كَذِبًا وبهتانا.
﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: بإِفسادهم فطرتهم التي تهديهم إلى الحق، وإعراضهم عن دلائل النبوة.
﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: بسبب ذلك؛ بسبب فقدان العلم والمعرفة. لأن الله أَخبر عنهم: أنهم على علم ومعرفة.