وخص البر والبحر بالذكر - دون سائر الكائنات - لأَنها أَقربها إلى البشر جوارا. والمعنى: ويعلم ما في البر والبحر من أَجزائهما، وما ظهر أَو خفى فيهما: من الإِنسان والحيوان والنبات، والسوائل والجوامد، والأَدهنه والأَبخرة، وعناصرها وذراتها، ومكونات هذه الذرات!
وبعد أن يبين علمه بذواتها - أَتبعه بيان علمه بأَحوالها، رامزا إليها بقوله تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ فإِن سقوط الأَوراق، ليس إلا حالًا من الأَحوال.
والمراد أَنه يعلم جميع حالات الشجر وصفاته، التي من جملتها: سقوط أَوراقها، كما أَن ذكر حال الورقة - وما عطف عليها خاصة دون سائر أَحوال ما عداها مما في البر والبحر - من الموجودات الفائقة الحصر، باعتبار أَنها أُنموذج لسائر أَحوال الموجودات.
﴿وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾: هذه الثلاثة معطوفة على (ورَقَةٍ) داخلة معها في حكم السقوط، والدخول في علم الله ﷾.
والمعنى: وما تسقط من ورقةٍ ولا حبةٍ في ظلمات الأَرض، وما يسقط من رطبٍ ولا يابس إلا يعلمها الله تعالى.
وعبَّر عن علمه بالكتاب المبين، تشبيها له به في الثبات والوضوح: تقريبا للأَذهان وإلا، فعلمُ الله أَعظم من الكتاب المبين وضوحا وثباتا وأَزلية.
وقيل: المراد من الكتاب المبين: اللوح المحفوظ. فيكون ذلك كناية عن علمه تعالى به، فإِن من أثبت ذلك في كتابٍ عنده، فهو بما أثبته فيه عليم.
وعلى أيِّ الرَّأيَيْن. فقوله تعالى: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾: كالتكرير لقوله: (إِلَّا يَعْلَمُهَا) جئَ به للتذكير والتأكيد.