أي هلاك عظيم لهؤلاء الذين يحرفون كتاب الله، وهو التوراة، إذ يكتبونها بأيديهم، ويدسون فيها أكاذيبهم، وما يحفظ عليهم رياستهم وجاههم، موهمين العوام أنها من عند الله، ليحملوهم على اعتقادها، والتعلق بالأماني - التي زيفوها في التوراة: يبتغون بهذا الفعل ثمنًا قليلًا، هو: الاحتفاظ بالرياسة، وأكل أموال الناس بالباطل. وهم بهذا يرتكبون. أكبر جريمة، وهي: افتراءُ الكذب على الله، ويختارون الباطل وينبذون الحق، فيكونون بذلك: كمن يبيع شيئا نفيسًا غالى القيمة. بثمن تافه!
وسبب ذلك: أنه لما ضعف أمر علمائهم في أمتهم، عمدوا إلى أمور تصرف الناس إليهم وألحقوها بالتوراة، وقالوا لسفهائهم: هذا من عند الله ليقبلوه عنهم، فتتأكد رياستهم.
وكان مما أحدثوا فيها أن قالوا: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا في الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ (١): يعنون بالأُميين: العرب، ويعنون بأنهم ليس عليهم في الأُميين سبيل: أن ما أخذوا من أموالهم فهو حل لهم، ومنه قولهم: لا يضرنا ذنب، فنحن أبناءُ الله وأحباؤُه، وأن النار لن تمسنا إلا أياما معدودات. إلى غير ذلك مما كذبهم الله فيه فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾: من تحريف كلام الله، وتبديله، وسوء تأْويله ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ بالباطل من جاء ورياسة ومال.
وتكرير الويل هنا؛ لتأْكيد الوعيد، وتعليله صراحة بالتزوير في الحق، وبكسبهم الحرام، بعد الإشعار به في صدر الآية ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.
وإنما قيد الكتابة با لأيدي، مع أنها لا تكون إلا بها، لتحقيق مباشرفهم ما حرفوه، زيادة في تقبيح أَفعالهم، ولتأكيد القصد إلى التحريف، ليشتروا به ثمناَ قليلًا. ولأن الأيدى جوارح تقع بها أكثر الجنايات.
وقدم الكتابة وأَخر: يكسبون؛ لأن الكتابة مقدمة، وإلكسب مترتب عليها، فالكتابة سبب، والكسب مسبب عنها.