وممن قال بذلك: ابن عباس ﵄. فقد رُوِىَ عنه أنه قال: أُمِرَ بالهبوط من روضة بعَدَن. وفيها خُلِق آدم ﵇. وهذا رأى مقبول ولا يمنع من وسوسة إبليس لآدم؛ لأَنه معه في الأَرض، فيستطيع أن يقترب من جنته ويوسوس له.
قال إِبليس لربه: أمهلنى واتركنى حيًّا إلَى يوم القيامة، الذي يُبْعَثُ فيه آدمُ وذريتهُ.
وقد طلب ذلك لغرضين:
أَحدهما: أَن يَثْأر من آدم، بالإغواءِ لذريته حتى نهايتهم.
وثانيهما: أن ينجوَ من الموت، إِذ لا موت بعد البعث.
١٥ - ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾:
الإنظار: الإمهال. وقد أُطلِقَ هنا، وقيد في سورة [الحِجْر] وسورة [ص] بأَنه إِلى يوم الوقت العلوم، فيحمل ما هنا عليه.
والمراد من الوقت المعلوم، يوم النفخة الأُولى التي يموت عندها جميع الخلائق.
قال ابن عباس وغيره: أنظره الله إِلى النفخة الأُولى، حين تموت الخلائق.
وكان طلب الإنظار إلى النفخة الثانية، حتى يقوم الناسُ لربِّ العاليين، فأَبى اللهُ عليه ذلك.
فإن قيل: ما فائدة إِجابة إبليس إلى طلبه الإِنظار؟ وما حكمة الغواية مع أَن فيها إضرارا بالعباد؟.
فالجواب: أن في إِنظاره ابتلاءً لهم، ليُخْتَبَرَ أهلُ الحق، فيثابوا على مجاهدتهم لوساوسه، وأهلُ الضلال والغواية، فيعاقبوا على استجابتهم إِليها.
والحكمة في خلْق الله الغواية في الزخارف والملاهى والملاذ، وفيما فطر في الأنفس من حبِّ الشهوات: أَن يمتحن اللهُ بها عبادَه، كما أَن منها ما هو مرض نفسانى، يعصم منه الله