وأَصل الجثوم: القعود. ويقال للناس: هم جثوم - أَي قعود لا حراك بهم ولا ينبسون.
قال أَبو عبيدة: الجثوم للناسِ والطير، والبروك للإبل.
والمراد؛ كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم - فلمّا فوجئوا - وَهم كذلك - بالعذاب، هلكوا وهم على حالهم، من غير اضطراب ولا تحرك.
ولا يخفى ما فيه من شدّة الأَخذ وسرعة البطش ..
٧٩ - ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾:
أَي فانصرف بعد ما شاهد من حالهم، وقال - متحسرا على ما فاتهم من الإِيمان - لقد أَبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم بالترغيب والترهيب، وبذلت فيكم وسعى.
ولكنكم لا تحبُّون الناصحين، فبقيتم على غيِّكم، حتى أَصابكم اللهُ بالهلاك.
وظاهر الآية أَنه تولّى بعد أن رأَى حالهم من الهلاك، وأنه خاطبهم وهم موتى بقوله:
﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي﴾ الخ.
ومثل ذلك ما فعله النبي ﷺ بصرعى بدر، حين وقف بهم وخاطبهمُ وهم في القليب قائلا: "إنَّا وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبكُمْ حَقًّا"؟. (١)
وقيل: إنما تولَّى عنهم قبل نزول العذاب بهم حين شاهد علاماته، وانصرف منكرا ما فعلوا، متوجها إلى فلسطين بمن معه من المؤمنين، ثم رجعوا - بعد هلاك الكافرين - فسكنوا ديارهم. والله تعالى أَعلم.
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)﴾.
(١) انظر سيرة ابن هشام وغيرها.